|
المشاعر المقدسة - أحمد حكمي
توافدت جموع الحجيج منذ وقت مبكر أمس إلى مسجد نمرة لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً اقتداء بسنة النبي المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم- والاستماع لخطبة عرفة.. حيث امتلأت جنبات المسجد والساحات المحيطة بضيوف الرحمن في مشهد إيماني بليغ لا تسمع فيه سوى التلبية والتهليل والتكبير.
وقد تقدم المصلين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية، فيما أمّ المصلين سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، بعد أن ألقى خطبة عرفة التي استهلها بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم، ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر مضيفاً سماحته بأنه بعث الله محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً برسالتة إلى جميع الخلق ليُخرج الناس من ظلمات الكفر والضلال إلى نور التوحيد والإيمان، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم والرشاد ومن عبادة النفس والشيطان إلى عبادة الملك الديان، ومن النزوات الشهوانية إلى سمو الأخلاق الإسلامية، ومن طغيان العقل والهوى إلى ضفاف الشرع ووحي السماء، ومن التعلق بالدنيا الفانية إلى التعلق بالدار الباقية في النعيم بالدرجات العلى.
وبيّن أن الله عزّ وجلّ شرع دين الإسلام ليكون منهج حياة للبشرية، يسير وفق أحكامه وتعليماته فلا شأن من شئون الدنيا إلا وللإسلام فيه حكم وبيان، ليحقق الغاية التي من أجلها خلقوا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.. ولتستقيم حياتهم كلها عقيدة وعبادة وسلوكاً وأحوال شخصية ومعاملات وأخلاق وسيادة وتعليم، قال الحقّ عزّ وجلّ: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
أوضح سماحة المفتي أن الإسلام قد رسم هذا المنهج بأعظم بيان وأقوم أدلة وأوضح معالم؛ قال الله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، بيّن لهم عقائدهم في الإيمان بالله وإخلاص التوحيد له وفرض كل العبادة له جلّ وعلا، وبيّن لهم أسماء الله وصفاته بأن تنسب لله الأسماء والصفات وما يليق بجلال الله، قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.. مشيراً سماحته إلى الإيمان بكتب الله التي أنزلها على أنبيائه ومنها التوراة والإنجيل والقرآن والزبور إلا أن القرآن الكريم أفضلها وأجمعها مهيمناً عليها كلها، يحق الحق، ويبطل الباطل، قال الحق عزّ وجلّ: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}.
وأكد سماحة المفتي على الإيمان بقضاء الله وقدره وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن كل ما يجري فهو بإرادة الله الكونية موافق لما سطر في اللوح المحفوظ، وما كان في الأجل لا يكون شيء من ذلك لا في شئون الكون ولا في أحداث البشر. وقال: إن الله أعطى العبد إرادة واختياراً في الأسباب يختار فيها ما يشاء فإن اختار الخير جزي به وإن اختار غير ذلك عوقب عليه، قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.
وأضاف سماحته قائلاً: يؤمن العبد بأنه لن يكون دائماً في هذه الدنيا، بل سيرحل عنها إذا جاءه القضاء فإما نعيم وإما عذاب، وبعد ذلك البعث والنشور وميزان الأعمال، وعند ذلك ينال المؤمنون فضل الله في درجات النعيم وينال غيرهم من الكفار عذاب الجحيم، قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ}. وأكد سماحـة المفتي أن الإسلام أوضح للأمة الفوائد التي تقوم على الأسرة كونها الخلية الأولى لبناء المجتمع.. وبيّن لهم الاقتران بين الزوجين بالزواج المشروع وما لكل من الزوجين من واجب وما عليه من حق، ودعاهم إلى تربية الأولاد تربية إيمانية لإنشاء جيل صالح في نفسه نافع لأمته أفراده لبنات صالحة لبناء مجتمع صـالح، وبيّن حقــوق الآباء مـــن البر والإحسان، قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وحق الأبناء في التربية والتوجيه؛ وبيّن حق الرحم في الصلة والمودة لتكون الأسرة قوية متماسكة بعيدة عن التمزق والتشتت.
وأبرز الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ ما أوضحه الإسلام للمجتمع من فوائد العلاقة الاجتماعية، وأنه أقامها على الإيمان والأخوة الإيمانية وحثهم على أن يحفظ كل منهم كرامة أخيه ويبتعد عن إهانته والسعي لمساعدته؛ (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه).
وأضاف سماحته: أرشدنا ديننا الإسلامي إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، وإلى محاسن الأخلاق في الصدق والإخلاص والبر والإحسان والعدل والصبر والحلم والكرم والجود، وحرم عليهم الخصال الذميمة من الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء وقذف المسلمين، وحرم عليهم الفواحش صغيرها وكبيرها، وحرم عليهم الفواحش صغيرها وكبيرها، وكل ما يقرب إليها، وحرم الزنا وما يقرب إليه من خلوة بلا محرم أو سفر بلا محرم أو علاقة تخالف الشرع، كما حرم عليهم السرقة والقتل والعدوان والظلم على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}.
مشيراً إلى أن الدين الإسلامي بيّن لهم أن الولاية بين المسلمين قائمة على الحقوق الإسلامية لا على الوطنية والقبيلة والجنس..
وبيّن لهم حقوق الحاكم على رعيته بوجوب طاعة ولي الأمر فيما أمر وفيما نهى ما لم يأمر بمعصية أو ينهي عن خير.. وحثهم على عدم منازعة الحاكم؛ وأرشدهم إلى الوقوف معه في كل الشدائد والتعاون معه فيما يحفظ الأمة ومكاسبها، وحثّ الحاكم على العدل في رعيته وتحقيق الحياة الكريمة لهم والإحسان والعدل بينهم وعدم ظلمهم وعدم المحاباة بينهم.. كما حثّ مجتمع المسلمين على التعاون والتآلف؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}.