الحج فريضة وركن من أركان الإسلام، تلتقي فيه الدنيا والآخرة، وتلتقي فيه ذكريات المسلمين القريبة والبعيدة.
والحج مؤتمر جامع للمسلمين قاطبة، مؤتمر يجدون فيه أصلهم العريق الضارب في أعماق الزمن، منذ أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام، يقول سبحانه: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ... (الحج 27 -28).
وللحج أهداف عظيمة، إذ هو امتثال لأمر الشرع، وهو شحنة روحية وعاطفية، وهو فريضة لتبادل المنافع، وهو سلامٌ ومساواة.
لا شك أنَّ الله سبحانه بحكمته وعظمته، اختار منذ خلق الإنسان هذا المكان الطيب الطاهر في مكة المكرمة، حيث اختصه بأن يكون مقراً لبيت الله الحرام، ومحلاً لالتقاء وتجمع المسلمين والمسلمات من كل بقاع الدنيا، مِن الذين منَّ الله عليهم، فوهبهم الاستطاعة التي تؤهله لشرف تلبية نداء الله، يقول عز وجل: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (آل عمران 96).
في الحج مدلول اقتصادي كبير، ذلك أنه فرصة للكسب المادي، الشرعي، والكسب الروحي الآخروي، فهو عبادة مالية وبدنية، وثوابهما في الآخرة، يقول جل شأنه: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ... (البقرة 198)، وفي هذه الآية إشارة إلى أن ما يبتغيه الحاج من فضل الله، مما يعينه على قضاء حقه، ويكون فيه نصيب للمسلمين أو قوة للدين، فهو محمود وما يطلبه، لاستبقاء حظه أو لما فيه نصيب نفسه، فهو معلول.
ومتى ما استقر في قلب الحاج إحساس بأنه يبتغي من فضل الله، فهو إذن في حالة عبادة لله، لا تتنافى مع عبادة الحج.
يقول عز اسمه: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ... (الحج 28) فقد اخُتلف في تفسير المراد، فبعض المفسرين حملها على منافع الدنيا، من الاتجار في أيام الحج، وبعضهم حملها على منافع الآخرة، من العفو والمغفرة، يقول ابن الجوزي رحمه الله: «والأصح منْ حملها على منافع الدارين جميعاً، لأنه لا يكون القصد للتجارة خاصة، وإنما الأصل قصد الحج والتجارة تبع. وعليه، يمكن أن نبرز أهم الآثار والدلالات الاقتصادية في الحج في الآتي:
1) يعتبر الحج مؤتمراً إسلامياً لحل المشكلات ومعالجة قضايا المسلمين المختلفة وخاصة الاقتصادية، حيث يفد إلى الأماكن المقدسة ملايين المسلمين من شتى البقاع، منهم العلماء المتخصصون في مجال الاقتصاد، فيكون ذلك فرصة طيبة لعقد المؤتمرات والندوات والحلقات الدراسية، لمناقشة المشكلات الاقتصادية المتنوعة في سبيل الوصول إلى التكامل والتنسيق الاقتصادي المنشود بين دول العالم الإسلامي.
2) في الحج رواج اقتصادي للمسلمين، إذ يتسم موسم الحج بالرواج الاقتصادي، لما يتطلبه من سلع وخدمات لأزمة لأداء مناسك الحج، فكم ينفق من النقود على وسائل الانتقال وشراء المأكولات والمشروبات وشراء الذبائح وتكاليف الإقامة.
3) في الحج دعوة إلى تطبيق الاقتصاد الإسلامي، إذ في الحج دعوة لتطهير المعاملات بين الناس من الخبائث والموبقات من ربا واحتكار وغش وتدليس وغرر وجهالة وأكل لأموال الناس بالباطل، كما أن الحاج عليه أن يتجنب الإسراف والتبذير والإنفاق الترفي، فالحج دعوة صادقة لتطبيق مبادئ الاقتصاد الإسلامي وقيمه على مستوى دول العالم الإسلامي.
4) الحج مؤتمر إسلام تلتقي فيه الخبرات العالمية الإسلامية، صناعين وتجاراً ومهنيين وبجميع التخصصات، وبهذا تنتهز الفرصة لتنمية العلاقات الاقتصادية بين المسلمين ومناقشة مشكلات الأمن الغذائي ومدارسة الخطوات الكفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي لدول العالم الإسلامي.
5) في الحج فرصة لاغتنام منافع التجارات والعمل وكسب المعيشة، وكذلك منافع البُدن والذبائح للفقراء والمساكين والمحتاجين، داخل الأماكن المقدسة وخارجها، يقول جل شأنه: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ... (الحج 36).
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية