تبقى لحظة «رمي الجمار» في كل عام هي «لحظة حسم»، و«مواجهة»، تشد كل من يعيشها أو يشاهدها عبر الشاشة، وتعجز«أكبر» المخرجين السينمائيين عن تصوير مشهد هذه «المواجهة الحتمية» بين الحاج المتجرد من «كل شيء» باستثناء «سبع حصيات» تمثل خلاصاً ورمزاً «يتعبد بها الله» وبرميها كما «أمر» في مناسك الحج، في وقت يعتقد فيه بعض الحجاج القادمين من «مجتمعات متعددة» أن «الشيطان الرجيم» هو الجدار «الشاخص» أمامه.
ولتكتشف ماذا فعل «إبليس» بالناس وما ردة فعل كل من يعتقد أنه ماثل أمامه؟!
انظر إلى من يتحمس وهو يرمي بغيظ وحنق شديد، ومن يتمتم وهو «يتعبر باكيا» وكأنه متسائل لماذا؟ لماذا؟ «يا ملعون» ليه بس كده «وزيتني» وزينت لي المعاصي وسببت لي كذا وكذا؟! لن تستغرب من صوت السباب والشتم الذي يمتد لرميه بالنعال أو أي شيء «غير الحصى» على الرغم من وجود مرشدين ولوحات تعبر عن ضوابط هذا النسك وبلغات متعددة.
فالمسلم الذي جاء للحج طالباً «عفو الله» وقبوله وغفرانه من الذنوب، إكمالاً لآخر «أركان الإسلام» أصبح لقاؤه مع المتسبب في الذنوب والمعاصي والمزين لها وكأنه «وجه لوجه» وكشف للحساب!! حيث تسمع القصص وتشاهد ردود الفعل لتكتشف «كم يتسبب هذا الملعون» والمطرود من رحمة الله بيننا من المشاكل والمصائب، وكم «وز» من «الغلابة والأبرياء» الذين وقعوا في حبائله، قبل عامين لن أنسى تلك الوثيقة الصغيرة التي وقعها «زوجان عربيان» بعد فراغهما من الرمي في آخر «أيام الحج» بمنى، والقاضية بطرد «إبليس الأباليس» من حياتهما وعدم السماح له مجدداً بالخراب والفتنة بينهما, وهو الذي قلب حياتهما جحيماً لسنوات قبل الحج، وعندما «سألت» الزوج يا حاج ليه توقع ورقة بينك وبين زوجتك، أتكل على الله واستعذ من الشيطان الرجيم طوال حياتك؟! قال لي «أنا عايز افتكر لو وزني في يوم من الأيام إننا رجمته هنا أنا بالطوب» وزغردة الزوجة أمام الكاميرا «فرحة» بالخلاص من النكد.
وفي هذا العام أيضاً وبينما أنا في طريقي «لمنشأة» الجمرات العملاقة، توقفت لأتبضع من الحجاج القادمين من «أوروبا الشرقية» وأتعرف على منتجاتهم هذا العام حيث يجلبون معهم بضائع جيدة ونادرة ورخيصة في كل عام، ليشهدوا منافع لهم في الحج، فلفت انتباهي منظر «حاج خليجي» وهو يتحدث مع «زوجتيه الاثنتين» لشراء بعض الأغراض ويتفق بتركها عند «البائعة» لحين عودتهم من الرمي.. فهو يسير وكل زوجة في جهة حيث من الواضح أن هناك عدم توافق بينهما!! وإبليس عامل «عمايله» بينهن، تمنيت أن أرصد كيف سيواجهن «إبليس» سوياً؟! وما هو شعور الزوج الذي يبدو أنه عانى من «الشيطان» وتزينه للشر والفتنة وقرر أن يحج «بزوجتيه سوياً» لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا؟!
مضى الزوج وأهله ومضيت في حالي، وأنا أقول كم فيك أيها «الحج» من حكم ودروس لم نتأملها بعد، فنحن نرجع الكثير من الأخطاء والمصائب «لحبائل الشيطان الرجيم»، وننسى أن بإمكان كل مسلم وفي أي مكان «الاستعاذة» منه والخلاص من أفكاره ودحضه دون الحاجة للانتظار حتى يحين موعد رميه في منى «بسبع حصيات».
فاللقاء حتمي بيننا على «مدار العام»، وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم، ونحن الغالبون والسالمون من «وزاته»، متى ما التزمنا بأمر الله وسنة نبيه عليه أفضل صلاة وتسليم.
وعلى دروب الخير نلتقي.
fahd.jleid@mbc.net