الحمد لله الذي كتب على الناس الموت وجعله يقيناً، فـ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ، و كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنزل الله عزَّ وجلَّ قوله تعالى فيه: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ .
على قدر المصيبة يكون الحزن، وعلى قدر المصاب يكون العزاء، وعلى قدر الرجال تكون الفواجع، ويكون الصبر عليها، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم. ولقد فُجعت المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، بوفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام - رحمه الله - وهذا وبلا مراء مصاب جلل،وحدث عظيم، وكأنما عناه الشاعر بقوله:
كذا فليجلَّ الخطبُ وليفدحِ الأمرُ
فليسَ لعين لم يفضْ ماؤها عذرُ
توفيتِ الآمالُ بعدَ محمد
وأصبحَ في شغل عنِ السفر السفرُ
وما كانَ إلا مالَ من قلَّ مالهُ
وذخراً لمنْ أمسى وليسَ له ذخرُ
وليس هذا مقام تأبين الفقيد العظيم، ولا تبيان مآثره التي شملت القاصي والداني وتستعصي على الحصر في هذه العجالة، ولا هذا مجال عرض إنجازاته العملية في حياته الحافلة، والتي كانت زاخرة بالإنجازات ومليئة بالمهام في سبيل خدمة دينه ومليكه ووطنه ابتداءً من تمرسه في شؤون الدولة في عهد والده المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - إلى عهد سيّدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية - فذلك أمرٌ مشهود، وشأنٌ معروف، وليس هنا مكان الإشادة بما يتمتع به -رحمه الله - من خُلق سمح، وبشاشة وجه، وكرم طبع، وسجايا حميدة، وخصالٍ كريمة قلَّ أن تجتمع في شخص واحد، ولكنها اجتمعت في شخصه - رحمه الله- فكان مثالاً للمؤمن التقي، والمسلم النقي، وقد وسع الناس بخلقه الكريم وجوده العميم، فكان لا يجاريه في هذا المضمار أحدٌ ولا يضاهيه إنسان فكان محل ثناء الجميع، وقل أن يُجمعَ الناس في الثناء على شخص، ولكن هذه نفثة مصدور وزفرة مكلوم، ووسيلة إبرازِ حزنٍ لا يمكن للكلمات أن تعبِّر عنه، وتضيق اللغة عن وصفه. وإذ أكتب هذا فإني أرفع العزاء في وفاته - رحمه الله - إلى سيِّدي خادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس الوزراء الملك عبد الله بن عبد العزيز وسيِّدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية - حفظهما الله - وسائر أفراد العائلة الكريمة متأسياً في ذلك بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب، فـ (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) ، وعزاؤنا هو أن ما عند الله لهو خيرٌ وأبقى، فهو من السابقين في الخيرات قال تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ).