ليس أمام الملك، بل أمام صورته البهيّة المشرقة تجلّت براءة الطفل، بكل ما فيها من عفوية الحديث، ونقاء السريرة، وطهارة الوجدان. موقف محرج بكل ما تحمله الكلمة من معنى، شخصية بقامة الملك، وليس أيّ ملك!
أين دورنا نحن التربويون؟ هنا إشكال لا يعرف سببه!!! زال ذلك الإشكال، وتبددت الحيرة حين كُرر السؤال. من هذا؟؟ أجاب الطفل ذو الأربع السنوات بلغته، بلثغته المقبولة، ببراءته، قائلا: (هذا... وطني) الإجابة تبدو فيها عبقرية من جهة، وعظمة قائد من جهة أخرى. اختزال مقبول، ومقبول جداً في الإجابة، فيها طرافة وظرافة في الوقت نفسه (هذا ... وطني). طفل استعار لمليكه اسم (الوطن)، بوعي منه، أو بدون وعي أن (الوطن) هاجس الأب القائد، استوطن في كل جوارحه واستقر.
) خام الحرمين الشريفين، أو سواه يحق له أن يفتخر بشعور ذلك الطفل ويعتز به، بل من وقف خلف تربية ذلك الطفل وتهذيبه وتعليمه، بوصف ذلك التعبير، أو الموقف ينمّ عن تربية دينية ووطنية صادقة، في الولاء لولي الأمر.
) الشخصيات العظيمة، والنفوس الكبيرة يجد فيها الإنسان أيّاً كان عمره ملاذه الآمن، وسكنه المنشود، فهي تتسع لجميع ألوان العواطف، وتلبي جميع حاجات الإنسان. التعبير عن هذه الصورة بهذه الإجابة لم يأت من فراغ، وليست حديثا عابراً، أو أن المعبّر في مرحلة يستطيع، أو يمتلك أساليب التصنع، أو المداهنة، أوالمجاملة. طفل لم تتنازعه عوامل الخوف، وأسباب الرجاء، لكن أسباب تعلّقه الفطري كشفه قول الشاعر القديم:
وفي الحلم إدهانٌ، وفي العفو دربةٌ
وفي الصدق منجاةٌ من الشرّ فاصدقِ
طفل من عدة أطفال، وفرد من أفراد عدة، يأسرهم الموقف حيناّ، ويأسرهم الإحسان في أحايين أخرى، ليس الإحسان بمفهومه المادي الضيّق فحسب، بل بالشعور الأبوي من قائدهم، وهم يلمسون صدق التوجه، والغيرة، والرفق، والإخلاص، والرأفة، والعدل، والمساواة تبدو على قائدهم في كل حركة من حركاته، وتوجيه من توجيهاته، والقلوب لها مفاتح لا يمكن أن تقتحم بتلك السهولة، أو البساطة التي يعتقدها بعض البشر، والتمكين في الأرض، والاستخلاف فيها، أيّا كان ذلك التمكين، أو الاستخلاف لا يأتي إلا من سلوك خارق، غير اعتيادي، تستطيع من خلاله امتلاك قلوب البشر، وتمسك بزمام أمورهم، وتقودهم إلى بر الأمان على أيّ ظرف كانت حياتهم، وعلى أيّ حال كانت ظروفه هو. هنا ما يجبُ أن يكون عليه التنافس حقيقة، بين الطفل وأترابه، وبين الملك ونظرائه من الملوك، هنا ما يجب أن يكون فيه التباهي بين شعبنا وغيره من الشعوب!!
dr_alawees@hotmail.com