يبدو أن قبول بشار بمبادرة الجامعة العربية كان ضرباً من ضروب الاضطرار؛ لذلك فإنه سيحاول ما استطاع أن يتحايل عليه ويلف حوله ويدور؛ لأنه يعلم أن تطبيقه فعلياً يعني أن العد التنازلي لنهاية نظامه قد بدأ؛ سماح النظام بالمظاهرات، وسحب الجيش من المدن، والسماح لوسائل الإعلام الخارجية بالدخول، كما هي مطالب مبادرة الجامعة، تعني أن المظاهرات ستعم كل أرجاء سوريا، ويتضاعف أعداد المتظاهرين، وسوف تختنق دمشق وحلب المدينتان المحايدتان حتى الآن بالمتظاهرين، ثم يتوجه المتظاهرون في دمشق من الشوارع والميادين والساحات العامة إلى القصر الجمهوري لخلع الرئيس، مثلما انتقل المتظاهرون إلى قصر ابن علي في تونس، فلم يجد بُداً من الهروب، ليستلم الجيش البلاد، وينتهي حكمه إلى الأبد.
هذه حقيقة يدركها بشار وأركان نظامه جيداً؛ فهو يعرف أن تطبيقه مبادرة الجامعة العربية يعني أنه وقع على مرسوم نهايته بنفسه، وأن سقوطه أصبح مجرد وقت ليس إلا؛ لذلك فقبوله المبادرة هو محاولة مستميتة لكسب الوقت، وفي الوقت ذاته خوفاً من تدويل الأزمة، في انتظار أن تحدث تطورات في المنطقة ليست في الحسبان تنقذه من ورطته؛ ولعل هذا البعد بالذات هو ما جعل بعض المحللين يذهبون إلى أن تصعيد إسرائيل (الآن) قضية المفاعلات الإيرانية النووية لا يعدو أن يكون مسرحية إسرائيلية لإنقاذ النظام السوري من ورطته، وتخفيف الضغط عليه؛ لأن الإسرائيليين يدركون جيداً أن أي بديل للنظام السوري الحالي قد يكون خطراً على إسرائيل، وفي الوقت نفسه سينسف الحلف السوري الإيراني لصالح النفوذ التركي في المنطقة وفي سوريا بالذات، وهنا تحديداً التقت المصالح الاستراتيجية الإيرانية بالإسرائيلية؛ فمن الواضح أن تركيا تعمل بجهود دؤوبة على أن يكون البديل للنظام بعد سقوطه يدور في فلكها؛ وهذا ما يُفسر حماس تركيا لتبني كل مؤتمرات المعارضة السورية، فضلاً عن استضافتها أكثر من عشرة آلاف لاجئ من الشمال السوري، جزء منهم أفراد منشقون من الجيش، ويعملون على إنشاء نواة حركية للمنشقين العسكريين يمكن الاستفادة منها في حالة تطور الوضع إلى انشقاقات واسعة في الجيش مستقبلاً.
العامل الآخر الذي جعل بشار يقبل المبادرة العربية الوضع الاقتصادي الداخلي. تردي الأوضاع الاقتصادية عامل إضافي تزداد ضغوطه مع مرور الوقت يصب في مصلحة المعارضة. يقول أحد المعلقين السوريين عن الوضع الاقتصادي في سوريا: (لم تنجح المنح والزيادات التي أضيفت إلى رواتب عمال وموظفي الدولة في تضييق حجم الهوة بين الأسعار والأجور، فجرى امتصاص قسمها الأكبر من خلال الزيادات التي طرأت على السلع ورفع الدعم عن بعض الحاجات الحيوية، وأيضاً عبر تراجع القدرة الشرائية للمواطن السوري حيث لا يتجاوز متوسط دخل الفرد السوري (1000) دولار بقيمته المطلقة، بينما قيمته الفعلية أو القدرة الشرائية في انحسار مستمر بسبب التضخم وزيادة الأسعار، وبسبب الاختلال المخيف في توزيع الثروة).. وإذا أضفنا إلى ذلك العقوبات الاقتصادية الدولية التي تزداد كماً وكيفاً مع مرور الزمن يتضح بجلاء أن الأزمة (تتغول) مع مرور الزمن أكثر، وأن الإصرار على الحل الأمني لم ينفع طوال الشهور الثمانية الماضية من عمر الانتفاضة؛ لذلك فلا بد من إيجاد حل بديل يمكن أن يساعد على الخروج من الأزمة.
وعلى أية حال فإن النظام السوري ليس أمامه الآن إلا اللعب واللف والدوران والتملص مما التزم به للجامعة العربية؛ عسى أن تحدث معجزة تنقذه من ورطته، وفي الوقت ذاته العمل بأية طريقة لمنع أن يصدر من الجامعة قرار بتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية؛ فمثل هذا القرار لو صدر السبت القادم فإن الخطوة التالية ستكون إحالة ملف القضية إلى مجلس الأمن دون غطاء عربي؛ ما يجعل السابقة الليبية قد تتكرر ثانية بطريقة أو بأخرى؛ وهنا قاصمة الظهر بالنسبة للنظام، وبداية الانتصار بالنسبة للمعارضة.
إلى اللقاء