السياحة هي نشاط السفر بهدف الترفيه، وتوفير الخدمات المتعلقة لهذا النشاط. والسائح هو ذلك الشخص الذي يقوم بالانتقال لغرض السياحة لمسافة ثمانين كيلومترا على الأقل من منزله في بعض المعاجم اللغوية وجدت معنى كلمة السياحة وهي من فعل سيح فوجدت أن لها معاني عديدة ومتنوعة حيث وجدت لها معنى يشابه المصطلح الذي ظهر مؤخرا وهو السير في الأرض إذا كانت السياحة بهذ المعنى فإن الله أمرنا بالسير في الأرض في كثير من الآيات البينات الواضحات من هذه المعاني في القرآن الكريم لأصل إلى الفوائد المرجوة من هذا السير فوجدت أن الفوائد الإسلامية من السير في الأرض أو (السياحة كما يقولون) متعددة منها:
1 - الاستبصار والتذكر والاعتبار قال تعالى: قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ الأنعام11.
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ العنكبوت20
2 - التعارف بين هذه الشعوب وغيرها و التواصل الذي يؤدي إلى احتكاك مباشر ينشأ منه خير عظيم يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات13
3 - المتعة والفائدة وإدخال البهجة للنفوس أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ النمل60، فمن يسير في الأرض ويرتحل يرى تلك الحدائق التي تضفي البهجة والسرور على النفس.
4 - الدعوة إلى الله سبحانه وبيان الإسلام وما سار الصحابة في كل هذه الأراضين إلا رغبة منهم في الدعوة إلى الله سبحانه.
انتشرت في الآونة الأخيرة أنواع من فنون السياحة المختلفة والتي يطوف بعض الناس من خلال هذه الفنون بلاد العالم يتطلعون إلى الآثار الغابرة وينتقلون من مكان إلى آخر في العالم يصورون ويتصورون ويمدحون هذه الحضارة أو تلك ويكتبون عنها الذكريات يمرون بأبي الهول وغيره فينحنون أمامه نسال الله السلامة والعافيه من ذلك ويشيدون بمن أنشأه ويصعدون الأهرامات وهم منبهرون بهذا البناء الفريد ويذهبون إلى تدمر وبصرى الشام وما تبقى من إيوان كسرى ومدائن صالح.. كل ذلك في إعجاب منهم بهذه الحضارات والأعجب من ذلك أنهم يأتون من بلاد بعيدة ويزورون المساجد المختلفة وينبهرون بالصناعة العمرانية الرائعة دون أن يتجاوز أحدهم خلف هذه الروعة العمرانية ليخترق وينطلق ويفكر لماذا بنيت هذه المساجد ولماذا دمرت هذه الحضارة أو تلك.
هؤلاء السياح في بلاد عديدة لم أجد ذلك السائح الذي يحول سياحته إلى فكرة وإلى عبرة أو إلى عبرة يغسل بها الغفلة التي حجبته عن الحقيقة الكبرى..
إن الإسلام يطلب منا أن نسير في الأرض وقد أكد على ذلك في أكثر من موضع ولكنه كان دائما يقفل أمر هذا السير في الأرض بالاعتبار والاتعاظ والاستفادة من الدروس السابقة وبيان قهر الله لهذه الحضارة أو تلك وأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين.
وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم» متفق عليه
ومعنى باكين أي معتبرين مستفيدين من الدروس التي مرت على هذه الحضارة.
لكن و يا للأسف الشديد سياحتنا غافلة كل الغفلة عن أهدافها ومراميها محجوبة بعبارات منمقة وشهوات مسوقة لا تدري أين تنتهي ومن أين تبدأ تقف أمام المظهر دون الدخول إلى الأهداف والغايات.
ما أغفل القلب الذي يضع الله بين يديه ما يدله عليه ثم يغفل عن ذلك ويبتعد ويتلهى!
ما أشقى الحياة عندما تتحول إلى صور لا عبرة فيها وذكريات لا وقود فيها يدفعنا إلى الأمام.
إننا مدعوون اليوم لتصحيح مفهوم السياحة وإزالة الغفلة التي تحجب الفوائد الجمة منها مطبقين قول الله قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ.... . فإذا كان لا بد أن نسير في الأرض فلا بد أيضا أن نعرف كيف نسير؟ ولماذا نسير.
ومن فوائد السياحة والسفر التعرف على ما لدى الآخرين من علوم وفنون وإبداع ومستجدات ومبتكرات وأساليب. والحكمة كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها). رواه الترمذي. فالحياة جامعة تتسع وتضيق بقدر اتساع أو ضيق دائرة تعرف الإنسان عليها زماناً ومكاناً وظرفاً.. فالإنسان ابن محيطه. فمن كان حبيس بيته كان ابن بيته، ومن كان حبيس قريته أو مدينته أو بلده كان ابن هذه الدائرة. أما من ارتحل في أرض الله الواسعة، يلتمس العبر، ويقلب الفكر، ويستطلع الأحوال والثقافات والمعارف والأعراف والتقاليد والتجارب والإبداعات والابتكارات..
فإنه لا شك سيكون أوسع نظراً، وأعمق تصوراً، وأكثر خيراً، وأعظم أثراً، حيث يكون ابن عصره. اقتباس العلوم والمعارف واتساع المدارك: ومن فوائد السياحة الاطلاع على ما لدى الآخرين من علوم وثقافات وحضارات وخبرات وابتكارات وإبداعات وتجارب ومهارات وعادات وتقاليد.. والأخذ بالمفيد منها، والمفعل للدور، والمطور للمشروع، والمقوي للأداء..
والملاحظ أن الذين لا يخرجون من دائرة بيئتهم، ومناطق ولادتهم وسكنهم يظلون أضيق أفقاً، وأقل معرفة وإدراكاً، وأبطأ تصوراً، وأقل عطاء من أولئك الذين يتجولون في أرض الله الواسعة، ويتنقلون بين البلاد والشعوب.
والإسلاميون بشكل خاص مطالبون بالسياحة لمعرفة زمانهم وما فيه من قوى وحضارات ومخترعات وتحديات وخصائص، للتعلم والتعليم، والأخذ والعطاء، والاحتكاك بالغير وإفادته والاستفادة منه في ضوء القاعدة النبوية (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها) رواه الترمذي.