في إحدى ساحات الحرم المكي في ليلة رمضانية وبعد ارتفاع صوت المؤذن لصلاة المغرب وسط أنفاس الصائمين, همست بجانبي عجوز طاعنة بالسن من الجالية الإيرانية بكلمات لم أفهمها وكأنها تطلب مني أن أنظر إلى ما يخبئه كيس طعامها، انتابني شعور بالدهشة فلم أفهم ما تريد ولغة الحوار بيني وبينها متعذرة، فما كان منها إلا أن أخرجت حبة من الفلفل الأخضر الحارة الذي تأكله لتسد جوع صيامها وناولتني إياها ولسان حالها يقول(إننا إخوة الإسلام فشاركني طعامي) ابتسمت حينها وأخذت ما ناولتني إياه وناولتها بضعا من التمر وسط فرحة عبرت عنها جليستي برفع يداها للسماء بدعاء سماوي لحين كبر الإمام للصلاة وهُنا تذكرت نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام عندما تصدقت عائشة بشاة وأبقت له الكتف لأنه كان يحبه من الشاة الكتف، قالت له عائشة: ذهبت الشاة وبقي الكتف يا رسول الله، قال بل قولي ((ذهب الكتف وبقيت الشاة)) فكان ما ينفقه أحب إليه مما يبقيه.
لعل أفضل شعور ينتاب الإنسان هو الشعور بالارتياح الذي يشعر به عند تقديم المساعدة للآخرين، فلا أذيع سراََ إن قلت إن مساعدة المحتاجين أو حتى تقديم العون للآخرين ورؤية الفرحة في أعينهم تمنح المرء شعورا لا يوصف من الحيوية والرضا والسعادة لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ولاشيء يعبر عن عمق الانتماء للرابطة الاجتماعية من تقديم المساعدة الإيجابية لمن حوله سواء عرفهم أو التقى بهم صدفة فلا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه حسن وهنا سر المتعة كما يقول جورج برنارد شو ((إن المتعة الحقيقة في الحياة تأتي من أن تصهر قوتك الذاتية لخدمة الآخرين، بدلا من أن تتحول إلى كيان أناني يجأر بالشكوى من أن العالم لا يكرس نفسه لإسعادك)) فالتلذذ بالعطاء لا يعرفه سوى العظماء وأصحاب الأخلاق السامية فشكرا لأصحاب الأيادي المعطاءة الذين يجود بما لديهم وإن قل، بنفوس راضية وقلوب مطمئنة وابتسامة هادئة ورضا تام فهم أسعد أهل الأرض أمثالهم ينثرون على دنيانا عبق الأمل وتباشير الفرح ونسيم التفاؤل في عالم تظلل أفقه رؤية مستقبلية وتلوح في سمائه آيات الرضا التام وزمام القناعة بأن ما عند الله هو خير إشراقة?
الخبز مُشبع جدا لمن يغمسه في القناعة.
هناء أحمد العضيدان