في بداية الثورة السورية ناصرت الحكومة التركية الثوار السوريين، وفتحت حدودها للفارين من بطش النظام السوري، وصدرت تصريحات من القادة الأتراك بدءاً من الزعيم التركي رجب أوردغان إلى وزير خارجيته أحمد أوغلو إلى كوادر وقيادات حزب العدالة والتنمية التركي كافة، وظل الدور التركي يتصاعد إلى أن بدأ بالتراجع والتردد، وبدأ الأتراك أكثر حذراً في مساعدة الثوار السوريين، رغم أن السوريين والعرب وحتى المجتمع الدولي كانوا يعولون كثيراً على المساعدة التركية في إنهاء الأزمة في سوريا لصالح تغيير النظام والأوضاع إلى الأحسن.
ماذا حصل؟ وما الذي جعل الأتراك يبتعدون قليلاً عن الشأن السوري..؟!!
تركيا لم تنفض يدها تماماً من الشأن السوري بعد، إلا أن الذي لاحظه المراقبون أن هناك حذراً، وقلة حماس، وتريثاً بانتظار تطوُّر الوضع الذي يسمح بتصعيد الدور التركي.
لماذا هذا التراجع التركي؟ المراقبون الذين يدرسون العلاقة التركية السورية ينبهون إلى التطورات التي شهدتها المناطق الكردية في الجانب التركي، التي شهدت في الأيام الأخيرة تحركاً للتمرد الكردي على طول الحدود التركية مع العراق وسوريا وإيران، وأن النظام السوري الذي يرتبط بعلاقات وثيقة جداً بالقيادات الكردية وقادة التمرد ورموز الحركة الكردية المقيمين في أوروبا، وبعضهم لا يزال في سوريا، أعاد تحريك الورقة الكردية واللعب بها. ورغم أن نظام الأسد سلَّم قائد التمرد الكردي عبدالله أوجلان إلى تركيا إلا أن قادة الأكراد لم يروا بأساً في إعادة العمل مع النظام السوري أملاً بتحقيق مكاسب ظلوا يسعون إليها رغم تضحية النظام السوري بقائدهم. ولأن تقارب المصالح يقرب المسافات بين الأضداد فقد قَبِل الأكراد العمل مجدداً مع النظام السوري لتخفيف الضغط التركي عليهم، وإشغال أنقرة بتنشيط عمليات التمرد الكردي الذي بدأ في شن عمليات عسكرية على الوحدات التركية داخل المقاطعات الكردية، وعاد رموز وأعضاء وعناصر حزب العمال الكردي إلى سوريا، وأخذوا يقودون ويوجهون العمليات العسكرية ضد القواعد التركية.
هذا الاستغلال السوري للمتمردين الأكراد، الذي يحظى بدعم لوجستي من إيران؛ حيث زوّد الحرس الثوري المتمردين الأكراد بالأسلحة النوعية، جعل الأتراك يعيدون حساباتهم، ويوقفون اندفاعهم لدعم الثوار السوريين؛ ما يوحي بأن الأتراك ومن أجل التخلص من الهمّ الكردي لا يمانعون من رفع أيديهم مما يجري في سوريا، مع إمكانية الدخول في صفقات مع سوريا وإيران، والعودة إلى سياسة «صفر مشكلات مع الجيران»..!!