يتوجه اليوم أكثر من خمسة ملايين طالب إلى مدارسهم بعد تمتعهم بإجازة عيد الأضحى المبارك التي أطالتها 90 % من المدارس الخاصة والحكومية إما بغياب مباشر من الطلاب الذين فضل أهاليهم السفر لاستغلال الإجازة الأسبوعية التي تسبق أسبوع الإجازة أو بإهمال من المدارس التي تعمد معلموها ألا يقدموا دروسا أساسية والسبب كما يعللون هو غياب الكثير من الطلبة.
اليوم هو يوم العودة ونتمنى أن ينتظم الطلبة في مدارسهم دون إجازات إضافية لكن كيف تتوقع أن يتعلم الطلاب الانتظام إذا كانت المدارس نفسها في إجازات دائمة!
هناك الأسبوعان للذان مع بدء السنة الدراسية حيث التجهيزات لا زالت تحت الصيانة والكتب لم تصل بعد أو أن المعلمين لم يعينوا أو ينتدبوا والكثير من المشكلات التحضيرية التي يواجهها معظم إداريي المدارس في بدأ السنة بحيث تعوق تحقيق تعلم منتظم يحقق ما نسميه تعليما والحال نفسه قبل إجازات العيد ثم إجازة منتصف السنة ثم قبل الامتحانات وهكذا نخرج بعائد تعليمي لو تم قياسه بالأيام سنكتشف أن أولادنا يداومون في مدارسهم بأقل عدد من الأيام يمكن قبوله مقارنة بطلاب العالم هذا عدا عن ما يحدث داخل الفصول نفسها من (عدم تعليم) سواء من خلال مناهج مكررة ومعلمين غير مدربين ومفاهيم إدارية متحجرة وثقافة مدرسية تؤكد على إبقاء الحال على ما كان لإعادة إنتاج النظام التعليمي والثقافي والإداري ذاته الذي نلوكه منذ أوجد هذا التعليم.
هل نقسو على وزارة التربية والتعليم رغم الجهود التي تبذلها لتطوير هذا القطاع المهم؟ هل نغفل ما قام ويقوم به رجالات التعليم من جهود مخلصة وحثيثة منذ أيام د. محمد الرشيد وحتى أيامنا هذه في عهد سمو الأمير فيصل بن عبدالله ونائبه المعمر؟ كلا بالطبع... الكل يستطيع أن يلمس النار اللاهبة التي يمشون عليها والعثرات المرة التي يواجهونها لإدخال أي إصلاح في هذا الجهاز المتهالك لكننا لا نستطيع أن نغفل أن هذا التعليم ومنذ أصبح كرة سياسية تتقاذفها أيدي رجالات الصحوة قبل ثلاثين عاما انتهى دور التربية والتعليم فيه وانتقل لتتحول مدارسه إلى غرف خاصة يتناوب على حراسة الداخل والطالع فيها كل من له هدف مذهبي أو مؤدلج من رجالات الصحوة وطرد من الباب كل من لهم علاقة بالتربية والتعليم..
فإذن ما يحدث الآن ليس وليد اليوم أو بإهمال مقصود فالتعليم ومنذ أول خطة للتنمية في المملكة عام 1970 وهو يبتلع أكثر من ربع ميزانية الدولة دون أن يؤتي ثماره..
اليوم نحن الذين درسنا في تلك الغرف الخاصة المخيفة نجد أن أبناءنا هم من يدفعون الثمن ويأكلون الحصرم من خلال سياسات تعليمية عفا عليها الزمن ومعلمون غير مدربون على بعض المناهج المطورة ومدارس بمبان متهالكة وإمكانات محدودة وخاصة لقطاع البنات فماذا فعلنا كآباء!؟
هرب معظمنا إلى المدارس الأهلية؟؟ بدأنا كموظفين وبدل أن يستمتع أبناؤنا بربع الميزانية التي تخصص للتعليم نعمل بدوامات نهارية ومسائية لندفع لهذه المدارس ظنا منا أننا سنحقق لأبنائنا شروطا تعليمية أفضل؟؟ فما الذي حدث؟
نسينا أن الفساد هو المبدأ الذي يقود الكثير من من يستثمرون في هذا القطاع وأن الربح المادي والحصول على الإعانة الحكومية إضافة إلى المعوقات البيروقراطية والإدارية التي تواجهها هذه المدارس مع الوزارة هو ما يقود سياساتهم الداخلية في هذه المدارس التي أظهرت دراسة أخيرة أعدها بنك المعلومات في غرفة الرياض حول المدارس الخاصة في مدينة الرياض إن 70 % منها في مباني مستأجرة لا تصلح كمدارس وإن أغلب هذه المدارس في مدينة الرياض تبدأ برأسمال لا يتجاوز مائة ألف ريال.
كيف لمبلغ هزيل كهذا أن يوجد فصلا دراسيا مجهزا بوسائل التعليم المساعدة أو يجذب معلما مدربا أو يوجد مساحة كافية لطفل تسمح بحركته داخل الفصل أو في فناء المدرسة أو توجد تكييف معقول ومياه نظيفة وصيانة منشآت ورواتب معلمين ومساعدين وباصات الخ؟
لذا ما الفرق الذي نرجوه نحن الأهالي بين المدارس الأهلية والحكومية؟
لا أعرف ... فسياسات الوزارة هي نفسها تطبق على النوعين من المدارس وكل مساحة الحرية التي تتمتع بها المدارس الأهلية هي في شيئين:
الأول: استعارة برامج صعبه وغير مفهومة (حتى تبدو ثرية للوالدين) من بلدان أخرى بدعوى تدريس اللغة الإنجليزية والثاني: هو شعور طلاب المدارس الأهلية بأنهم اشتروا المدرسة ومن عليها ودفعوا لهم ومن ثم فهم من يقود الفصل الدراسي لا المعلم ولا المدير بحيث أصبح الهاجس لدي هذه المدارس التي يعتمد بقاؤها أمام المالك في تحقيق الربحية هو إرضاء أولياء الأمور أولا وأخيرا أما هل يتعلم الأبناء فعلا فهي مسألة يصعب على معظم الأهالي قياسها أو معرفة كيف تتم فعليا وبهذا فكلنا ومعنا هذه الملايين من طلاب التعليم العام في المدارس الأهلية والحكومية نمشي بالبركة ثم نصحو فزعين لنفاجأ ونسأل؟ لماذا يحقق تعليمنا السعودي أسوء النتائج في الامتحانات الدولية وخاصة في مادتي الرياضيات والعلوم؟ لماذا لا يجد أبناؤنا وظائف؟
العالم من حولنا لن ينتظر والبطالة مثلا ليست فقط لأن حركة الاقتصاد المحلي لا توفر فرصا كافية. هناك الكثير من الفرص الوظيفية وبرنامج نطاقات خير دليل عليها (رغم تخبطه) لكننا أمام أجيال من الجهلة المتعلمين الذين لم يزودهم التعليم بالمهارات الأساسية التي يحتاجها سوق العمل وحتى نعرف مستوى تعليمنا مثلا يجب أن نفعل على الأقل ما تفعله كل دول العالم المتقدمة بإخضاع الدارسين في المدارس لتقييم جهات تعليمية مستقلة فمثلا في الولايات المتحدة هناك هيئات وجمعيات علمية مستقلة تأخذ من كل فصل دراسي وبشكل عشوائي طلاب من مختلف المدارس في التعليم العام (من أول ابتدائي وحتى ثالث ثانوي) ومن مختلف المناطق ( دون أن تعرف المدارس أن الاختيار سيقع عليها ) ويخضع الطلاب فيها لامتحانات لا دخل لمدارسهم بوضعها أو الإشراف على إقامتها أو تصحيح نتائجها ثم تعلن هذه النتائج بأسماء العشر أو الخمسين وحتى المائة مدرسة الأولي في البلاد في الجرائد العامة ومواقع المدارس والنت الخ بحيث يمتلك الوالدين وكذلك مؤسسات التعليم العالي عند اختيارها لطلبتها للقبول معيارا على أساسه يعرفون من هي أحسن المدارس التي حقق طلابها أفضل النتائج في امتحانات الرياضيات والعلوم والاجتماعيات واللغة الإنجليزية وذلك من خلال مراجعة القائمة المعلنة على رؤوس الأشهاد وبذا تجد إن المدارس تتسابق على تحسين نوعية معلميها وتدريب طلابها وتوفير الأجهزة والمختبرات لأن فوزها بإدراج اسمها ضمن القائمة المعلنة يعني إقبالا أكثر عليها وكذلك زيادة في الدعم الحكومي وشيء آخر تتمتع به هذه المدارس ولا تعرفه ثقافتنا المحلية وهي التبرعات والهبات التي يقدمها الأثرياء المستقلون لها ليس بغرض الاستثمار بل حتى تستمر في تقديم خدماتها المميزة خدمة لبلادهم ودفعا لبعض ضرائبهم بالطبع.
وبعد ... ذهب أبنائي اليوم للمدرسة وأنا أعيد السؤال نفسه في كل مرة: هل يتعلم أبنائي حقا أم هم يزدادون جهلا؟