الدستورية التي وصل من خلالها الأمير نايف بن عبدالعزيز إلى ولاية العهد تعد بمثابة نجاح للخط الإصلاحي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله.. ويعد تحديداً أول تطبيق عملي لنظام هيئة البيعة،
وتحديداً المادة السابعة من هذا النظام التي تشير إلى أن «يختار الملك واحداً أو اثنين أو ثلاثة ممن يراه لولاية العهد ويعرض هذا الاختيار على هيئة البيعة، وعليها بذل الجهد للوصول إلى ترشيح واحد من هؤلاء بالتوافق لتتم تسميته ولياً للعهد..».. كما يشير هذا النظام إلى النظام الأساسي في الحكم وتحديداً إلى المادة الخامسة (ب) والتي تؤكد في اختيار ولي العهد أن «يبايع الأصلح منهم للحكم». وبناء على تطبيق كل من نظام هيئة البيعة والنظام الأساسي للحكم، فقد وقع الاختيار على الأمير نايف بن عبدالعزيز ليكون ولياً للعهد..
وهذا الخط الإصلاحي الذي مارسه الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ أن تولى قيادة هذه البلاد عام 2005م شكل بناءات إستراتيجية لها هدفان رئيسان (1) استقرار النظام (2) رفاهية المواطن. ولو راجعنا جميع القرارات والتوجيهات والخطابات التي صدرت من الملك عبدالله سنجدها تصب في تحقيق هذين الهدفين الإستراتيجيين. ولاشك أن الفترة الماضية منذ أن غادر إلى رحمة الله تعالى الأمير سلطان بن عبدالعزيز وشغر منصب ولاية العهد فقد انشغلت وسائل الإعلام العالمية في البحث عن الشخصية القادمة إلى ولاية العهد السعودية لأهمية المملكة وثقلها السياسي والديني والاقتصادي. ومن خلال قراءاتي لمجمل ما نُشر في الصحافة العالمية فقد كان اسم الأمير نايف بن عبدالعزيز هو الذي طرح وحيداً من بين الأسماء المرشحة لشغل هذا المنصب..
وإذا نظرنا إلى الداخل سنجد أن الأمير نايف بن عبدالعزيز هو الشخصية المتوقعة في الرأي العام السعودي لما يمتلكه من خبرات نوعية في ملفات محورية من ملفات الدولة الإستراتيجية، ويأتي في مقدمتها إستراتيجية مواجهة الإرهاب التي ضربت المملكة والعالم منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولا تزال عالقة في أماكن كثيرة في العالم. كما أن الأمير نايف مشهود له بعلاقاته بشعبه على مختلف الشرائح المجتمعية، وهو يتحاور مع الجميع وينصت لما يُقال ويُتابع ما ينشر في وسائل الإعلام باهتمام كبير.
ومن سبق أن التقى الأمير نايف بن عبدالعزيز سيجد أنه يتميز بخصال قيادية استثنائية فهو منصت جيد لما يُقال، ويحاور ويستفسر عن كل صغيرة وكبيرة في الموضوع، كما يتميز بهدوئه في الحديث وسكينته في الحوار. كما أنه عندما يتحدث يتحدث دائماً بفكر إستراتيجي بعيد عن رهانات اللحظة أو تداعيات الموقف الآني. وهذه خصال قيادية مهمة في التعامل مع الناس بمختلف شرائحهم، فهناك شخصيات سياسية تتحدث دائماً ولا تعطي فرصة للاستماع للآخرين، رغم أن الآخرين يريدون أن يأتوا ليعبروا عن آرائهم ومواقفهم أحياناً، وينتظرن سماع مثل هذه الآراء من قبل أولياء الأمر بكافة مستوياتهم..
لقد كان صدور الأمر الملكي لخادم الحرمين الشريفين بتعيين الأمير نايف بن عبدالعزيز وفق الأنظمة الدستورية هو بمثابة الخبر الأهم في عام 2011م بالنسبة للسياسة السعودية. وجاء متماشياً مع توجهات الرأي العام الداخلي، ومتفقاً مع توقعات الرأي العام الدولي وما رشحته وسائل الإعلام العالمية. ولاشك أن مبايعة أعضاء هيئة البيعة وتأييدهم لاختيار الأمير نايف بن عبدالعزيز هو بمثابة اطمئنان شعبي على أن هذا المجلس دائماً يضع في اعتباره التوجهات الشعبية نحو الشخصيات القيادية في الدولة، ويراعي صلاح وحكمة وسداد رأي تلك الشخصيات التي ستحكم هذه البلاد. كما أن علاقات تلك الشخصيات بأبناء وبنات الوطن هي محك آخر على أهمية الاختيار..
ولاشك أن الفضل بعد الله يعود إلى قائد الإصلاح وربان السفينة السعودية التي يقودها خادم الحرمين الشريفين وبخاصة خلال الأزمات الداخلية والخارجية. واستقرار هذه البلاد هو بمثابة هدف إستراتيجي عمل عليه - يحفظه الله - لسنوات عديدة، وتمكن بقيادته الحكيمة أن يدير ملفات داخلية وخارجية خطيرة كادت أن تعصف باستقرار المملكة وأمنها.. وتأتي إستراتيجيته في تحسين صورة المملكة وتطهيرها من وصمة الإرهاب عملاً محورياً عمل عليه إلى أن أصبح للمملكة دورها العالمي في مكافحة الإرهاب، وكان للأمير نايف بن عبدالعزيز دور في إستراتيجية مكافحة الإرهاب على المستوى الداخلي ما ساعد على تنقية صورة المملكة من محاولات متعمدة من قوى يمينية متطرفة مؤثرة على السياسة الدولية في العالم حاولت بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أن تضع المملكة في مواجهة جميع دول العالم كدولة راعية للإرهاب.
* رئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال،
- المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa