حالة البطالة التي يعيشها مجتمعنا والتي لم تشهدها البلاد سابقاً على الإطلاق ليس لوجود أكثر من مليون عاطل وعاطلة (برغم من إعلان وزارة العمل لوجود نصف هذا العدد رسمياً لديها، إلا أن من لم يتقدم لوزارة العمل طلباً للمساعدة في توظيفه لم يتم حسابه ضمن العدد الكلي للعاطلين والعاطلات
وهو ما دعاني افتراضاً لذكر رقم المليون) تلك الحالة التي لم تشهدها البلاد ليس لعدد العاطلين والعاطلات بل لتفاقم ذلك العدد وتزايده نسبةً لأعداد الخريجين من المؤسسات التعليمية بمختلف درجاتها ومروراً بالمتسربين من التعليم العام النظامي وانتهاءً بمن لم يحالفهم التوفيق بإكمال دراساتهم العليا. هذه الحالة تتطلب القيام بإستراتيجيات كثيرة ليس الغرض من هذا المقال ذكرها إلا أن ما يجدر ذكره أنه يجب علينا عامةً الإيمان بأن الوظائف لم تعد كما كانت في السبعينيات أو الثمانينيات تستطيع أن تتلقف من يحمل مؤهلاً ثانوياً أو لغة إنجليزية ولم تعد بالتالي الحاجة موجودة كما كانت لخريجي الجامعات من المتخصصين في المجالات النظرية التي امتلأت بهم السوق، بل يجب أن نؤمن أن الوظائف في معظمها حالياً ومستقبلاً مرتبطة بالتخصصات المهنية والفنية. ويجب أن لا نكابر في إغفالنا لهذا الجانب، فقد فاقت أعداد المؤهلين في التخصصات غير المهنية أضعاف ما تحتاجه السوق ولعل زيارة واحدة لإحدى إدارات الموارد البشرية في أي شركة عملاقة تكفي لإثبات ما تقدم دون نقاش.
القاعدة البشرية في سوق العمل تتركز في قاعها وفي ما بعد القاع وتشح الوظائف بل وتنعدم كلما صعدنا هرم التراتبية الوظيفية بشكل واضح، القاعدة وما يليها تتطلب أيدي عاملة بمؤهل لا يتجاوز الثانوية التخصصية كالصناعية والزراعية، والمراقبين الفنين لما يليها، وهي أي تلك القاعدة من يتركز فيها أكبر عدد من العمالة الوافدة ويتم إصدار مئات الآلاف من التأشيرات سنوياً عليها.
الجهات الرسمية بما فيها المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني عملت ولازالت تعمل لتخريج شباب سعودي قادر على مليء تلك القاعدة سواءً فنيين أو مساعدي فنيين ويبقى أمر نجاح تلك المساعي مرهون بمدى تقبل المجتمع لشغل تلك الوظائف من جهة، ومن جهة أخرى إقبال رجالات القطاع الخاص بمختلف أنشطته لاستيعاب أولئك الشباب.
لا يمكن اليوم المراهنة على نجاح جهة حكومية دون أن يكون لنشاطها مردود واقعي ولا يمكن بالتالي أن يكون ذلك المردود واقعياً طالما بقيت الأجهزة الأخرى تعمل بشكل منفرد ودون أن تمد يدها لإنجاح مساعي الجهات الأخرى.
إن أكثر الجهات التي ينبغي أن تعي هذا التوجه هو الشباب والفتيات، عليهم أن يدركوا تماماً أن الحاجة اليوم باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى لأيدي مهنية تستطيع أن تحل محل العمالة الوافدة، ولم يعد هناك - إلا ما ندر - حاجة للتخصصات النظرية، عليهم أن يفكروا جدياً بأن من فاته قطار اللحاق بالجامعات للدراسة التخصصية أن لا يتوقف عند ما يحمله من شهادة ثانوية بل عليه الالتحاق بالمعاهد المهنية والفنية التي ستعينه بعد الله على الانخراط فوراً في سوق العمل، على شبابنا من الجنسين أن لا يترددوا في العمل المهني أو الفني بحجة أنه معيب أو منقص للمكانة الاجتماعية، عليهم أن يفكروا ملياً أن الأيدي المهنية والفنية باتت اليوم مطلب السوق المحلية وهي بلا شك أكثر دخلاً من غيرها من التخصصات النظرية التي أصبحت موجودة بكثرة ولا يُقبل على خريجيها من شركات القطاع الخاص إلا ما ندر، عليهم أن يعوا أن المستقبل لا ينحصر في مزاولة المهنة بل لربما كان في التدريب المهني ومن ثم الالتحاق بالعمل المهني بداية لطريق العمل التجاري الحر الذي سيدر عليهم أموالاً تذهب حالياً للعمالة الوافدة التي أتت في معظمها للملكة دون أدنى خبرة فيها وتعلمت أصول المهنة هنا.
نحن أمام قضية وطنية لا يستطيع أكثر المتفائلين تجاوزها إن لم تتكاتف وتتعاون جميع الأجهزة، المنزل والمدرسة والمجتمع والإعلام والشاب، للعمل على حلها والقيام بما يجب من أجل تجاوزها. إلى لقاء قادم إن كتب الله.
dr.aobaid@gmail.com