لم نشاهد منذ معرفتنا بالدنيا فلسطين السليبة، والمسجد الأقصى أو القدس تحتفل بالعيد كما تحتفل به الدول الإسلامية الأخرى، كان العيد الفلسطيني وما يزال ممزوجاً بالدماء والدموع لأن من سياسة العدو اليهودي المحتل أن يقض مضاجع أهل فلسطين في كل مناسبة جميلة مهما صغرت أو كبرت، وما دام العيدان المباركان «عيد الفطر وعيد الأضحى» يمثلان مناسبتين مهمتين للمسلمين فإنهما جديران في ميزان الطغيان اليهودي بأن يتحولا إلى مناسبتين باكيتين داميتين.
وما زالت صورة الدبّابات الصهيونية الغاشمة التي اقتحمت إحدى القرى الفلسطينية في أحد أعياد رمضان فجراً ماثلة أمام عيني بالرغم من مرور سنوات عليها، وقد تفاعلت معها في صبيحة ذلك العيد الدّامي بقصيدة «عيديّة شارون» وهي رسالة على لسان المجرم اليهودي شارون الذي أمر بتحويل العيد الفلسطيني إلى كارثة في ذلك العام 1422هـ، وفيها يقول:
أنا الذي لم أشاهدْ وجهَ عيدكُمُ
إلا وفي ثَغْر رشّاشي له قُبَلُ
مهلاً فوجدان رشَّاشي يُحِسُّ بكم
وقلبُ دبَّابتي بالعيد يحتفلُ
لعيدكم فرحةٌ كبرى، يَحِسُّ بها
صاروخُنا، وأنا من حُسْنِها ثَمِلُ
ألم أسيّر له دبَّابةً رقَصَتْ
على الدِّماء، وليلُ الرُّعبِ مُنْسَدِلُ؟
وإذا كنا منذ عقدٍ من الزمان قد رأينا في العراق وأفغانستان من دموية أعياد المسلمين ما أزعجنا، فإن دولاً عربية أخرى قد انضمت إلى مَن يمكن أن نطلق عليهم «قراصنة الأعياد» كما هو الحال في بلاد الشام واليمن.
هنا دخلت دولٌ تعاني من الطغيان على خط «العيد المأساوي» مما جعل صورة العيد الحزين في فلسطين أقلّ بروزاً، وأكثر بعداً عن واجهة الأخبار.
إن العدو الصهيوني ما زال ينفّذ خُطته الظالمة لتشويه معالم السعادة بالعيد عند أهل فلسطين، سواء أكان ذلك عن طريق الضرب بالدبابات لمواقع معينة، أم عن طريق مهاجمة البيوت بحجة التفتيش، واعتقال بعض الرجال من كبار وصغار وتحويل ليلة العيد ويومه إلى جُرح كبير في قلوب المفجوعين والمفجوعات بمن قُتل أو اعتقل من أهلهم وأقاربهم وجيرانهم.
في اليوم الثاني من عيد الأضحى حوّلَتْ سلطات الاحتلال الصهيوني النائب في المجلس التشريعي «حسن يوسف» وابنه أويس للاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر في سجن «عوفر» القريب من رام الله. ولنا أن نتخيل كيف ستكون مناسبة العيد بالنسبة لأهله وأقاربه وجماعته.
في هذه الأيام المباركة لعيد الأضحى تنتشر أخبار العزم على تنفيذ المخطط اليهودي لبناء (60) ألف وحدة سكنية استيطانية جديدة خلال العشرين سنة القادمة في القدس المحتلة، وهو مخطط خطير، تم تنفيذ مراحل سابقة منه يهدف إلى تغيير الواقع «السكاني» لمدينة القدس، وقد أكد الخبير في جمعية الدراسات العربية «خليل التفكجي» أن المخطط يهدف إلى تحويل المعادلة في مدينة القدس لصالح المستوطنين اليهود فيكون الوجود الفلسطيني لأهل القدس عام 2030م 12 %، والوجود اليهود المحتل 88 % ومعنى ذلك أن تقسيم القدس «عاصمة لدولتين» أمر مستحيل، وإن وَرِمتْ أنوف المفاوضين المتنازلين عن كثير من حقوق الفلسطينيين.
في أيام عيد الأضحى يقوم جنود الاحتلال على بعض الحواجز شمال نابلس بابتزاز المواطنين الفلسطينيين الذين يريدون عبور الحواجز للتزاور والمعايدة، مطالبين الشخص بدفع ألف شيكل يهودي وهو مبلغ كبير يوازي ألف ريال، إن كان حريصاً على العبور، ناهيك عن أسلوب الإهانة قولاً وعملاً الذي يتعرض له من يريدون العبور.
وكلنا رأينا كيف قدم الجيش الصهيوني بتلك المقدمة الدموية لعيد الأضحى في غزة من خلال غاراته الغاشمة التي قتلت عشرات الفلسطينيين رجالاً ونساء وأطفالاً -حسبنا الله ونعم الوكيل-.
إشارة:
صدق الملك فيصل -رحمه الله- حينما سُئلَ عن علاج وقع دولة «إسرائيل» في فلسطيني، فقال: علاجُها زَوالُها.