بداية ليعلم من يعنيهم الأمر بأنني (ويعلم الله) لا أحمل لهم أيّ شكل من أشكال الضغينة أو الحسد (عياذاً بالله)، ليقيني المطلق بأنّ الله سبحانه هو الرزاق.
أما بعد.. فلعلِّي أستحضر هنا واقعة تاريخية تنطوي على الكثير من العِبَر لمن يريد أن يعتبر.. أو لديه الاستعداد كي يعتبر.
ذلك أنه عندما تعرّضت الأندلس للخطر مما ينذر بسقوطها.. حينذاك لم يجد (المعتمد بن عباد) بداً من طلب نجدة القائد المجاهد (يوسف بن تاشفين) بقواته للدعم والمساعدة في إعادة الأمور إلى نصابها.
وعندما أنهى ابن تاشفين مهمّته على أكمل وجه.. ذهب إلى (المعتمد) طالباً الإذن بالعودة هو وجيشه إلى بلاده.. غير أنّ المعتمد طلب منه البقاء هو ومن معه لبعض الوقت بغرض إكرامهم من خلال الاستمتاع بشيء من مباهج ومظاهر الحياة الأندلسية الباهرة.. إلاّ أنّ القائد المجاهد اعتذر لابن عباد معللاً ذلك بأنّ أولئك الرجال الأشدّاء - يقصد جنوده -: هم من أشد الناس خشونة معيشية.. وإنْ هم دخلوا إلى تلك المدن الفارهة، وتعرّفوا على شيء من ترفها ومفاتنها.. فإنّ ذلك يعني فسادهم وفقدانهم لأهم مميّزاتهم القتالية.. ولذلك هو يريدهم أن يبقوا على أوضاعهم وحياتهم المعيشية الخشنة التي اعتادوها حتى يضمن المحافظة عليهم كمقاتلين أشدّاء وأبطال.
كذلك فإنّ لأمير المؤمنين (علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -) مقولة شهيرة بهذا المعنى هي (اخشوشنوا فإنّ النِّعم لا تدوم).
القصد..
كلنا يعلم ما تمرُّ به الكرة السعودية في هذه الآونة من أوضاع لا تتناسب ومكانة وثقل بلادنا.. إقليمياً وقارياً ودولياً.. فضلاً عن أنها لا تترجم ما يتم بذله من جهد، وما يتم صرفه عليها بسخاء؟!
كثر الحديث عن أسباب هذا التقهقر.. وتعدّدت وجهات النظر حول العديد من الجوانب التي يرى أصحابها بأنّ لها علاقة سواء مباشرة أو غير مباشرة بما يحدث.. بين من يرى بأنّ الآخرين يتقدمون بثبات.. فيما نحن توقفنا وأطلنا النوم على وسادة ما حققناه.. وبين من يرى بأنّ ما يحدث ما هو إلاّ عبارة عن (خديج مشوّه) لحالة من الاحتراف غير مكتمل الشروط.. فيما هناك من يرى بأنّ لبعض الإعلام (المتهافت) وغير المسؤول الدور الأكبر باعتبار هذا النوع من الإعلام أكثر حرصاً على التواجد بصرف النظر عن أي أنقاض يمكن أن يبني ذاته عليه.. المهم لديه هو أن يظل (يلعلع)..؟!
في حين ذهب البعض إلى مسألة المبالغة في تدليل اللاعبين.. فضلاً عن المغالاة والمبالغة الزائدة عن حدود المنطق في أقيام عقودهم إلى درجة يرونها خيالية قياساً بعطاءاتهم وقدراتهم وإنتاجهم.. مما ساهم سواء بقصد أو بدون قصد في انصراف اللاعبين عن مهامهم الأساسية بالانشغال والتفكير العميق بالأمور المادية، بعد أن تحوّلت المسألة إلى (بزنس) بعشرات الملايين..؟!
شخصياً: أعتقد بأنّ كل هذه العوامل متضافرة ومجتمعة.. هي من شكّلت مكوّنات المشهد ولكن بنسب متفاوتة.
وبناءً عليه أعود لبداية الموضوع انطلاقاً من قصة (ابن تاشفين).. معتقداً بأنّ السبب الأعظم والأجدر بالتأمُّل، إنما يتمثّل في طغيان حياة (الترف) الزائد وتداعياته على اعتبار أنه أضحى يهيمن على فكر اللاعب سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.. بعد أن تحوّل بين عشية وضحاها إلى (مليونير) يسكن في أرقى القصور والفيلات، ويمتطي أغلى وأفخم السيارات.. ويرتدي أفخر وأشهر الماركات، ويقضي إجازاته في أشهر العواصم العالمية.. ثم نأتي بعد ذلك كله لنطالبه بأداء دور المقاتل الخشن الشرس في الملعب معرّضاً للخطر أطرافه التي كانت السبب (بعد مشيئة الله) في تحويله من شخص أقل من عادي إلى آخر يشار له بالبنان في الشهرة والثراء والوجاهة.. فضلاً عن آلاف المعجبين الذين يلاحقونه أينما حل أو رحل.. وقد يرتكب بعض أولئك آلاف الحماقات والدخول في مشاجرات ومعارك دموية مع الآخرين من أجل سواد عيون نجمه المفضل..؟!!
الخلاصة
نحن من أقحمناهم عنوة في متاهات البذخ والحياة الموغلة في الترف والعيش الناعم.
وللتأكيد أيضاً.. أنا لا أطالب بحرمانهم من حقوقهم (معاذ الله).. ولكنني أطالب وبشدّة بضرورة إعادة النظر في مسألة الأرقام الفلكية التي يتم رصدها سواء للاستقطاب أو للتجديد.. بحيث لا تتجاوز القيمة المنطقية والفعلية التي يستحقها اللاعب، بعيداً عن التهافت وعن أساليب وكلاء اللاعبين المعروفة..؟!!
وبذلك نكون قد ساعدناهم على الخروج من دوامة الترف غير الحميد، ومن شتات التفكير في أقيام العقود وتداعياتها.
وبالتالي حافظنا على الحدود الدنيا من مقوّمات اللاعب الجَلِد، المقاتل، الصبور، الخشن.. الذي لم تفسده المادة وتوابعها.. يعني بالبلدي: (اللاعب الذي ينشدّ به الظهر).
قول مأثور
(أن تؤدِّب ابنك خير من أن تتصدّق بصاع).