هاتفني أحد الصحفيين السعوديين قبل يومَيْن معبِّراً عن شعوره بالألم والغربة النفسية وهو يرى مجموعة من الشباب السعودي في أحد الأسواق؛ فقد رأى نماذج من شبابنا لا يمتُّون إلى قيم مجتمعهم بصلة، من حيث المظهر وطريقة المشي والحركة وطريقة الكلام والضحك، ووصف لي من ملابسهم التي يقلِّدون بها مجموعة من مشاهير الغرب والشرق «المجانين» الهائمين على وجوههم في مسارب الفن الرخيص وكهوفه ومغاراته.
كان صوته دالاً على مقدار الألم الكبير الذي شعر به وهو يرى هذا النوع من الشباب الذين يحرقون أوقاتهم في الأسواق والمقاهي، ولا يقدرون قيمة اجتماعية، ولا خلقية، وأنى لهم ذلك وهم يفرِّطون في القيم الدينية بصورة واضحة.
سألني قائلاً: يا ترى، ما السبب في هذه الظاهرة التغريبية المخيفة التي تنتشر في صفوف عددٍ غير قليل من شبابنا ذكوراً وإناثاً؟ وكيف يحدث هذا ونحن نرى مجتمعنا لا يزال متماسكاً في كثير من عاداته وتقاليده الحميدة، ولا يزال متمسكاً بأهداب شريعته السمحة؟ بل كيف يحدث هذا ومساجدنا - بفضل الله - عامرة بالصلاة والذكر وقراءة القرآن ومحاضرات وبرامج الخير منتشرة عبر كثير من وسائل الإعلام؟
قلت له: إنَّ السبب الأول - في نظري - هو إهمال جانب التربية والمتابعة بالتوجيه والإرشاد، والثواب والعقاب، داخل الأسرة السعودية في منزلها، فنحن نعرف مجتمعنا، ونعيش فيه مع بعضنا، ونرى مدى الإهمال الذي تقع فيه كثير من العائلات والأُسَر في بيوتهم فيما يتعلق بمتابعة أولادهم، هذا الإهمال يعني أن المحاضن الأولى للأجيال الناشئة قد اختلت، وأهملت ما يجب عليها من المتابعة الجادة والتربية والتوجيه، وانشغل كل فردٍ من أفراد الأسرة بنفسه - خاصة الآباء والأمهات - وتركوا أطفالهم يتلقون التربية من مصادر لا علاقة لها بالقيم التي يؤمن بها المجتمع، بل لا علاقة لبعض تلك المصادر بالدين الصحيح، ولا بالخُلُق السليم. هذا «الترك» المؤسف يتيح لتلك المصادر أن تربِّي البنين والبنات بأساليبها التي لا يمكن أن تحقق ما تصبو إليه الأسرة المسلمة من الفضيلة والخلق الحسن والتدين السليم.
نعم، إن الإهمال الأُسري في تربية الأجيال هو المسؤول الأول عن هذه الكارثة التي يقابلها كثير من الناس بموت الضمير، وعدم المبالاة.
إنها معادلة واضحة جداً: أسرة مسلمة مهمِلة في التربية مع جيل جديد يعيش في عالم مائج بوسائل الاتصال، مع نماذج من البنين والبنات تشبَّعوا بثقافات يكثر فيها الانحراف الديني والفكري والخُلُقي.
إشارة: إنك لا تجني من الشَّوْك العنب.