مع تجهيز أنفسنا للابتعاث للخارج، تحملنا في الغالب كمبتعثات أحلام كثيرة تطير بنا فوق أرض الواقع، فنظن أنفسنا أسطورة ستقلب الموازين رأساً على عقب بعد العودة، في حديث جمعني بإحدى الزميلات بالجامعة التي عادت من البعثة حديثاً محمّلة بآمال تغلب الخيال في .....
..... مداها، تساءلت في شوق عن مرئياتها فيما تراه في الواقع الوظيفي بعد العودة بستة أشهر، شهقت مذهولة مما تراه وسألتني إن كان الخلل في طريقة قراءتها للواقع، أم أنّ الواقع بالفعل قد تغيّر إلى نمط جديد لم يكن يخطر ببالنا، فمشاهد التراخي والتذمُّر أصبحت تطفو على السطح رغم أنف معايير الجودة، والمساومة على احتساب الوقت الإضافي لإنجاز العمل صار حقاً لا يتم العمل دون ضمانه، والتشاكي والتحسب على الزميلات والمسئولات بات من مستلزمات ضمان العدالة الوظيفية، ليس ذاك فحسب بل غلب التحجج بالظروف على الموظفات مع كل محاولة لإشراكهن بأنشطة علمية، كنت أستمع لها والذاكرة تجوب بنا دهاليز مرحلة مضت من حياتنا قبل الابتعاث، كنا نعمل باستمرار بالجامعة بلا تشاكٍ أو تذمُّر، نحمل عبئاً تدريسياً مضاعفاً نراه تحدياً جميلاً لصقل خبراتنا، نكلّف بمهام وظيفية عدّة ننجزها دون ابتزاز للمسئولين في أقسامنا، نقتحم المناسبات العلمية داخل وخارج الجامعة طوعياً برؤية المحتاج والمتعطش للمعرفة، وتسبقنا على الدوام ابتسامات نرسمها على وجوهنا مع كل من يلجأ لنا ينشدنا مساعدة أو خدمة، حتى أننا كنا نستعين ببعض أجهزتنا المنزلية لاستخدامها في عرض بعض الأفلام والمحاضرات، في وقت لم تكن تلك الأجهزة تتوافر به للجميع بالجامعة، ما يحزن في حقيقة الأمر أن كل ما تحتاجه الموظفات حالياً لتحقيق أداء أفضل، قد أصبح متاحاً لهن على طبق من ذهب، وفوق تلك التجهيزات امتيازات عدة ما كنا نحلم بها مسبقاً أو ننتظرها، ومع ذلك صور التراخي ما زالت قائمة بينهن تنتقل عدواها من واحدة لأخرى حتى كادت تصبح وباءً متفشياً، فحضورهن الاجتماعات واللقاءات العلمية أمر شكلي لا يتعدّى كونه تجمعاً نسائياً يتبادلن فيه الأحاديث والرد على رسائل الجوال، ومداخلاتهن على الغالب في تلك اللقاءات، تنصب على مصالح شخصية بعيدة كل البعد عن منافع عامة، تساءلت صديقتي عن سر هذا الوهن الذي يجثم فوق نفوس العديد من الموظفات محيلهن صورا محبطة لا ترى في العمل أكثر من مجرّد روتين ممل، فأخبرتها أنه ربما تلك هي حالهن، فالواقع ليس وحده ما تغير في سنوات ابتعاثها، بل حتى الشخصيات من حولنا تغيّرت إلى حد بعيد حتى لم نكد نعرفها، فهؤلاء الموظفات وغيرهن بالجامعة ومواقع أخرى قد لا يرين في الولاء والانتماء للعمل تقديراً وإلهاماً يستحق العناء كما كنا ومازلنا نراه نحن، ولا يستشعرن في دورهن الأهميةعلى إحداث التغيير لمجريات الواقع كما تأمّلنا وعشنا نحن.
salkhashrami@yahoo.com