|
الجزيرة – ماجد إبراهيم :
تباينت الآراء حول مقترحات بتصدير العمالة السعودية إلى الخارج، للاستفادة من خبرات الاقتصادات الإقليمية والعالمية في قطاعات أخرى غير القطاعات النفطية، ونقل هذه الخبرات والمهارات إلى الاقتصاد المحلي، وخلق مجالات عمل متعددة وفرص وظيفية أكثر. وفي الوقت الذي توقع فيه تقرير التنمية البشرية الأخير التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي حدوث مجموعة من التطورات الديموغرافية والتنموية في المملكة على المديين المتوسط والبعيد، منها نمو عدد سكان المملكة بمقدار 2.1 في المائة سنوياً خلال الفترة من 2005 إلى 2015 ليصل عدد السكان إلى 29.3 مليون نسمة نهاية 2015، واستمرار معدل هذا النمو موصلاً عدد سكان المملكة إلى قرابة 40 مليون نسمة بنهاية 2025، يرى المستشار الاقتصادي محمد العمران بأنه في المفهوم الاقتصادي، من صالح أي دولة في العالم تصدير عمالتها الفائضة عن الحاجة إلى الخارج حيث أن هذا سيؤدي إلى دعم السيولة النقدية الداخلة إلى البلد و إلى تخفيف معدلات البطالة، واستدرك العمران قائلا: لكن المسألة مختلفة بشكل كبير بالنسبة للمملكة، حيث تعاني من تخمة في العمالة الأجنبية بسبب فشل خطط الإحلال الوظيفي في تحقيق أهدافها منذ عقود، وبالتالي فإن ما يحدث من هجرة للعمالة السعودية هي في حقيقة الأمر محاولة للبحث عن فرص وظيفية في دول شقيقة بعد تعذر ذلك بالمملكة، وهذا مع الأسف استنزاف للموارد البشرية وإن كانت له بعض المكاسب الاقتصادية المؤقتة».
المصرفي محمد الجديد أحد الداعمين لهذا المقترح، وسبق له مناقشته بتفصيل في إحدى أطروحاته الاقتصادية، يوضح رؤيته لـ»الجزيرة» قائلاً:» أود في البداية تعريف المقصود بالعمالة السعودية والشريحة المستهدفة من ذلك، ما أقصده بالعمالة السعودية هم شريحة الشباب السعودي الطموح حديثي الحصول على الشهادة الجامعية أو الدبلوم العالي في تخصصات العلوم الطبيعية و التربوية والهندسية والطبية، ممن تتراوح أعمارهم بين 22-26 عام، وأود أيضا التذكير بالهدف الرئيس من مقترح تصدير هذه العمالة إلى الخارج، حيث يتركز هذا الهدف في إكساب هذه الشريحة الخبرة العملية والمعرفة المهنية اللازمة للعودة في الغد والمشاركة بفاعلية في تنمية الاقتصاد السعودي واستدامته على المدى البعيد»، ويعزو الجديد الأسباب لهذه المطالبات إلى: «التنوع في الخبرات الوطنية بما يضمن تزويد وإمداد الاقتصاد السعودي بكل ما يحتاجه من الخبرات المتنوعة، اكتساب المعرفة بثقافات الشعوب الاقتصادية المختلفة على أساس أن هذه الشعوب هي شعوب واقتصادات مستهدفة من قبل الاقتصاد السعودي على المدى البعيد، سواءً على هيئة مستهلكين للمنتجات والخدمات السعودية أو ممولين للصناعات السعودية، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للمقارنة بين كيفية بناء اقتصادات أخرى بما يضفي سمة الإبداع لدى العمالة السعودية في تطوير وابتكار آليات نمو اقتصادي جديدة عند عودة هذه العمالة إلى المملكة».
وحول النمو السكاني المتوقع، ومساهمته في دفع العمالة السعودية إلى الهجرة بحثا عن فرص وظيفية في بلدان أخرى ومدى استفادة الاقتصاد المحلي من ذلك يرى العمران» طالما أن القطاع الخاص في المملكة لا يستطيع خلق وظائف جديدة تكفي لاستيعاب الشباب السعودي المؤهل والداخل حديثا لسوق العمل فإن هذا سيجبر البعض منهم للبحث عن وظائف خارج المملكة، وحتى لو عادوا مستقبلا فلا أعتقد أنهم سيجدون وظائف لهم، لأن المنافسة على الوظائف في المملكة ستكون أشرس مما هي عليه الآن»، بينما يذهب الجديد إلى اتجاه آخر بقوله: «الهدف كما هو موضح في الأعلى أنه لا يرتبط بإيجاد فرص وظيفية بقدر ما يرتبط بفتح مجال اكتساب خبرات عملية ومعرفة مهنية، على سبيل المثال، عندما يعمل مجموعة من الشباب السعودي في الصناعات النفطية في إحدى الشركات الأوروبية العاملة في حقول بحر الشمال، فإن ذلك سيكسبهم معرفة بالآليات المستخدمة أو تلك التي تحت التطوير لدى هذه الشركات، ومما لا شك فيه أن اكتساب هذه المعرفة سيسهم في تطوير الآليات المستخدمة لدى قطاع الصناعات النفطية عندما يعود هؤلاء الشباب ويلتحقون بالعمل به، ولك أن تقيس على باقي القطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى، كصناعات الطيران المدني، والتعليم، والصحة، والصناعة، والخدمات المالية، ومبيعات التجزئة، والصناعات الثقيلة، إلى آخره من الصناعات المستهدفة من قبل الاقتصاد السعودي لتؤدي دور رئيس في التنمية الوطنية خلال العقود المقبلة».
وفيما يخص مستهدفات الاقتصاد السعودي الطموحة بحلول 2025، والتي من أبرزها وصول إجمالي القوى العاملة إلى 15 مليون عامل، يشكل السعوديون منهم حوالي11.85 مليون عامل، بقرابة 8.29 مليون من الرجال مقابل 3.56 مليون من النساء بتأهيل مرتفع، ومدى ملائمة أداء الاقتصاد المحلي لتحقيق هذه الأرقام خلال 14 عاماً مقبلة، يقول العمران: « من الممكن الوصول إلى هذه الأرقام، لكن بالتركيز على القطاع الخاص وليس الحكومة، وبالتركيز أيضا على القطاعات الخدمية بشكل رئيسي لأنها هي التي ستكون قادرة على استيعاب أعداد كبيرة من الشباب السعودي مستقبلا وخصوصا في مجال السياحة والنقل والفندقة والتأمين وغيره، إلا أن الوضع الحالي لا يشير إلى تحسن ملحوظ في هذا الجانب في ظل إحجام القطاع الخاص عن توفير وظائف كافية لهؤلاء الشباب»، ويتفق الجديد مع العمران في هذه النقطة بقوله: «الإجابة القصيرة على هذا السؤال نعم. والإجابة المسهبة أن الاقتصاد السعودي يسير حسب ما هو مخطط له مع وجود تحديات تتباين درجة متانتها بين تحديات ثانوية يمكن أن تزاح تلقائياً و تحديات جسام من الأهمية أن يعاد النظر في بعض آليات النمو الاقتصاد لضمان مواجهتها وإزالتها، من الأمثلة على ذلك أننا ما زلنا نطور المبادرات نحو دعم السعودة بينما الواقع يفرض علينا أن نطور مبادرات تسهم في توطين الخبرات والمعرفة بما يؤهلها لترتقي إلى مصاف القيادات العليا والمتوسطة في الاقتصاد السعودي بما يمكنها من قيادة الاقتصاد السعودي خلال الفترة المقبلة، الخدمات التعليمية والصحية أيضا تواجه مجموعة من التحديات الجسام التي تتطلب التعرف على مكامن التحديات ومن ثم وضع الحلول لمواجهتها».
وحول أبرز الاقتصادات التي يمكن للعمالة السعودية في الخارج الاستفادة منها، لا يرى العمران سوى اقتصادات الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديدا في الإمارات وقطر فقط لا غير، بينما يقول الجديد:» لعلي أضع الاقتصادات الناشئة التي استطاعت تسجيل معدلات نمو عالية خلال العقد الماضي وتستهدف في الوقت ذاته تحقيق وتسجيل مستويات متقدمة جديدة، وهي اقتصادات الهند والصين وتركيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، كما أضع في الوقت ذاته مجموعة من الاقتصادات النامية التي تسعى في الوقت الراهن إلى تحقيق ما حققته الاقتصادات الناشئة السابقة وأقصد بها اقتصادات كوريا الجنوبية وتايلاند والأرجنتين وسنغافورة وإندونيسيا، كما من المفيد أيضا استهداف مجموعة من الاقتصادات المتقدمة والتي منها الاقتصاديات الأمريكي والكندي والبريطاني والألماني والفرنسي والياباني، وأضع أيضا مجموعة الاقتصادات التي تواجه في الوقت الراهن تحديات مالية وهي اليونان وإيطاليا وإسبانيا البرتغال، وأخيراً لا أنسى الاقتصادات الإقليمية والتي من أهمها الإماراتي والقطري والمصري والأردني والليبي»، ويختم الجديد شرح فكرته بضرورة إطلاقها على هيئة مبادرة وطنية، قائلاً: «المبادرة تهدف إلى وضع برنامج توظيف خارجي على غرار برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للإبتعاث الخارجي، يهدف البرنامج إلى توظيف الشباب السعودي من الشريحة المستهدفة أعلاه في الاقتصادات المشار إليها وتلك التي ترتبط بالاقتصاد السعودي بعلاقات اقتصادية متينة.