إذا كنت في رحلة سياحية استجمامية أو رحلة عمل والوقت يسمح لك بجولة في أرجاء البلاد التي تزورها؛ تأمل حياة التجمعات السكانية حولك ووتيرة تعاملاتهم وسلوكياتهم اليومية وإن قدر لك فتمعن بمراسم الاستقبال والضيافة والأفراح والمآتم لديهم وغير ذلك، ستجد أشياء مختلفة تماما عما تألفه في محيطك الاجتماعي لدرجة أنك ستحكم أحيانا على بعض المشاهد والتصرفات بأنها غير منطقية أو غير عقلانية وأنه يمكن فعلها أو ممارستها بطرق أفضل (في نظرك)، وبالتأكيد فإنك سترى ما سوف يستوقفك للاستطلاع والتعجب بين الذهول والاندهاش من أمور لم تكن تتصور أن جنس البشر يمكن أن يفعلها في محيطه بقناعة تامة ويعدّها من المسلمات، بل إن هناك من الخوارق ما يصنّف ضمن أطر من العادات والتقاليد التي يعتز ويتمسك بها أولئك الأقوام في حين نراها نحن من الغرائب في حياة البشر، لكن ماذا لو تخيلت الآن أن نفراً من أطياف وشرائح وجماعات بشرية تختلف عنا في حياتها المعيشية قد زارت أنحاء مختلفة من بلادنا ونوعت في الزيارة والتجوال بين المدن والقرى والهجر والمراكز في الاتجاهات الأصلية والفرعية ليتم تسجيل مشاهد ومواقف منوعة وربما نقول (متناقضة) في مجتمع واحد، وسيعود الزوار لبلادهم محملين بكم غزير من الصور والمدونات التي سيقدمونها لذويهم وأصدقائهم ومجتمعهم عبر وسائل مختلفة يروون من خلالها عجائب مشاهداتهم اللطيفة في بلادنا، وهم بالتأكيد لن يصفوها بالسيئة أو المعيبة، وسيكتفون بنقلها وكأنها من عجائب ونوادر الشعوب، فالاختلاف في نظرهم في طرق المعيشة هو من سنن الكون والحياة الإنسانية يحدده غالباً المتوارث من ثقافات وعادات قديمة، ومعلوم أن غالبية شعوب الأرض يقدرون جيداً كل ممارسة تعبدية أتت بها الشرائع السماوية فلا تعد عند الجميع من العادات أو التقاليد فهي مأخوذة في الحسبان عند دراسة حياة الشعوب لذلك فهي خارج مدار الحديث هنا الذي يتناول مجرد عادات وتقاليد متوارثة ومعاشة آنياً، وقد تجد من أبناء جلدتك من يستنكف عن ممارسة عريقة متوارثة عن الأجداد بزعم أن الزمن قد تجاوزها وعفا عليها، وأنه يريد أن يحتفظ بمعانيها دون تفاصيلها، هذا مقبول إلى حد كبير، لكن من غير المقبول أن يحط من قيمتها وقدرها عند الأجانب حينما يكونون بيننا أو في ضيافتنا ليوهمهم بأنه متحضر ينبذ هذه القيم القديمة إن لم ينعتها بالجاهلية البالية، فإذا كان في رهطه وجماعته أظهر تمسكه بها لأصلتها وإنها تمثل تراث وتاريخ الأجداد الأعزاء!! وثمة صور مشاهدة ومنقولة عن أنماط من مجتمعنا الخليجي والعربي تظهر أنهم في حال وجودهم في الغرب (مثلاً) يتلونون بثقافة وعادات تلك البلاد ليس من قبيل الملاطفة والمجاملة بل لشعور واهم بضرورة إكمال الشخصية وينسون أن أولئك الأقوام (والحالة هذه) ينظرون لهم بنقص في تراكيبهم النفسية والشخصية، ولو أنهم ثبتوا على لونهم الذي يمثل كينونتهم وشعوبهم دون إخلال بكرامتهم لنظرت إليهم الشعوب بكامل الاحترام والتقدير.