رغم أن وزارة العمل تصدر أكثر من مليون وخمسمائة ألف تأشيرة جديدة سنوياً؛ إلا أن غالبية رجال الأعمال والمواطنين يشتكون من عدم حصولهم على التأشيرات اللازمة لاستقدام العمالة التي يحتاجونها، والجميع يشتكون أيضاً من عدم قدرتهم على ضمان حقوقهم المهدرة لدى مكفوليهم الذين يستقدمونهم بأكثر من عشرة آلاف ريال، ويستطيعون الهرب والعمل في مكان آخر بحرية تامة ثم تلزمهم الجهات المعنية بقيمة تذكرة سفرهم.
وباستعراض سوق العمالة في بلادنا الغالية يتبين أن لدينا تسعة ملايين وافد قدموا بصفة نظامية؛ بعضهم يعملون لدى كفلائهم، وبعضهم يعملون لحسابهم الشخصي بموافقة الكفيل المتستر، وبعضهم هاربون يعملون بحرية تامة دون حسيب أو رقيب على نشاطهم التجاري وتحويلاتهم المالية التي تتجاوز بعشرات الأضعاف رواتبهم المحددة في عقودهم. إضافة إلى ملايين من متخلفي العمرة والمتسللين الذين تمكنوا من الوصول إلى قلب المدن الرئيسية والعمل في المنازل والمتاجر والورش وغيرها، وأدت هذه الفوضى إلى وجود سوق علني لبيع التأشيرات رغم تهديدات وزارة العمل بإيقاف الاستقدام عن المتاجرين بها، وتحذيراتها الصورية لناشري إعلانات بيع التأشيرات.
فحين يعاني الكثيرون من صعوبة الحصول على تأشيرة خادم، ويكون لدينا آلاف المكاتب التي تؤوي داخلها آلاف الخادمات، وتعلن في جميع الصحف المحلية يومياً عن وجود خادمات قادمات من المطار مباشرة للتنازل بزيادة عشرة آلاف وعشرين ألف ريال عن تكلفة استقدامها، فهذا تأكيد على وجود سوق علني للتأشيرات.
وحين يعاني الكثيرون من صعوبة الحصول على التأشيرات وتكتظ الصحف والمواقع الإلكترونية بإعلانات تأشيرات وعمالة للتنازل بزيادة عدة آلاف من الريالات عن رسوم إصدارها، وإعلانات عن القدرة على إصدار التأشيرات لمحتاجيها فهذا تأكيد على وجود سوق علني للتأشيرات يديره سماسرة ومتلاعبون يحصلون بطريقة يجهلها حسن نية مثلي على تأشيرات لا يحتاجونها ويبيعونها على من يحتاجونها، ولا يتمكنون من الحصول عليها من الجهة المعنية مباشرة.
ومع احترامي للجهود الخجولة التي حاولت وزارة العمل بذلها خلال السنوات الماضية، والجهود والحلول التي وعدتنا بتنفيذها خلال الفترة القادمة للحد من المتاجرة بالتأشيرات وتزايد أعداد العمالة الوافدة، وما يترتب عليها من تسيب وتستر ومشاكل أمنية واقتصادية وصحية فإن بيع التأشيرات تجارة علنية يتم الإعلان عنها في الصحف المحلية والمواقع الإلكترونية مثل أي سلعة مشروعة؛ بعضها يباع بعد صدور التأشيرة، وبعضها يباع بعد استقدام عمالة عليها، ولم تعاقب الوزارة إلا عدداً محدوداً من المتاجرين بها.
وإذا كان لدى الوزارة رغبة (حقيقية) في تنظيم سوق العمل والقضاء على فوضى التأشيرات والمتاجرة بها فإنه ينبغي إغلاق منافذ تسويقها بمنع نقل الكفالة نهائياً، وتسهيل إجراءات الحصول عليها لمن يحتاجها فعلاً للعمل لديه. كما أن القضاء على ظاهرة هروب العمالة، وما أدت إليه من ضياع حقوق الكفلاء وتضاعف رواتب العمالة غير النظامية يتطلب إغلاق منافذ العمل أمامهم بحملات تفتيش مستمرة على المحلات التجارية والورش وغيرها وإغلاق جميع المنشآت التي تعمل فيها عمالة مخالفة ومتخلفة ومتسللة حفاظاً على مصلحة وأمن واقتصاد وهيبة بلادنا الغالية.