على قمة جبل غزوان على الحافة الغربية لمرتفعات الحجاز بإطلالة مباشرة على سهول تهامة تستقر منطقة الهدا، بارتفاع نحو «2000»م عن سطح البحر، إلى الغرب من مدينة الطائف بنحو «20» كيلاً.
وتتميز بأجواء معتدلة صيفاً وباردة شتاءً، وتتساقط أمطارها بكمياتٍ أكبر في فصلي الشتاء والربيع، مصحوبة بحباتٍ من البرد. وتكسو جبالها ومرتفعاتها النباتات والأعشاب والشجيرات، وتبدو في فصل الشتاء أكثر إثارة وإمتاعاً، وجمالاً وإبهاراً، حين يحيط بها الضباب ويحتضنها في لوحة ربانية تأسر الخواطر والمشاعر. كما تبدو ليالي الهدا في الصيف أكثر متعة للسمَّار بسمائها الصافية المُتشِّحة بضياء القمر وأنوار النجوم.
وتتمتع منطقة الهدا بتربة زراعية خصبة، تنتج العديد من الفواكه والخضروات، ومن أبرز هذه المنتجات ذات النكهة المميزة: الرمان، والمشمش، والحماط «التين»، والبرشومي «التين الشوكي» والبُخارى، والخوخ، والتفاح، والتوت.. كما تنتج الورد الجوري الذي تقوم عليه صناعة الدهن وماء الورد الطائفي ذي الشهرة العالمية.
والهدا من المراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف، وتبلغ مساحتها نحو «207» كم2، وهي ملتقى الطرق والمسالك البرية الرئيسة إلى مكة المكرمة القادمة من الجنوب والشمال والشرق والغرب. ومن أبرزها الطريق المزدوج العالمي الذي يخترق جبل كرا، بهندسة إنشائية بديعة، في اتجاه مكة وجدة وغيرها من مدن ومحافظات وقرى المملكة. ويسكنها العديد من القبائل الحجازية التي استقرت فيها منذ فترات زمنية بعيدة. وتتوفر عليها مشروعات البنية التحتية والطرق الدائرية والفرعية وشبكات المياه ومحطات الكهرباء والاتصالات، وكذلك منظومة خدمية تحتوي على العديد من المرافق الحكومية التعليمية والصحية، والخدمية.
كل هذه المزايا الحضرية والطبيعية جعلت من الهدا منطقة جذب سياحي بدرجة عالية، فانتشرت في ربوعها المنتجعات والفنادق والشقق السكنية والحدائق والمنتزهات والملاهي والمطاعم. كما أٌقيم على أعلى جبل كرا مشروع العربات المعلقة «تلفريك الهدا» في إطلالة بهية على مكة المكرمة، وله محطتان، الأولى: في الأعلى، والثانية في الأسفل، ويحيط بها منتجعٌ سياحيٌ كبير يقصده الزوار والمصطافون. والتلفريك من المشاريع السياحية الرائعة التي أضفت على الهدا جاذبية ومتعة أكبر، حيث يستمتع مستخدموه برؤية جبل كرا - طلوعاً ونزولاً - بمناظره الطبيعية الخلاَّبة، كما يرون بأم أعينهم أحد أبرز معالم الهدا الأثرية، وهو طريق المشاة «طريق الجمَّالة ودرب المشَّاية» المتعرج الموغل في القدم، والمنحدر من أعلى جبل كرا إلى منطقة الكر، وإن اندرست بعض معالمه، من أثر السيول والأمطار، وقد كان في حين من الدهر عامراً بقوافل المسافرين والحجاج في طريقهم إلى مكة المكرمة.
عن هذا الطريق الأثري يشير المؤرخ السعودي «عيسى علوي القصير» إلى أنّ منطقة الهدا تعتبر منطلقاً للقوافل المتجهة إلى مكة المكرمة للجمَّالة والرحَّالة، عبر طريق المشاة الذي أنشئ منذ نحو ألف عام، وهو أول طريق جبلي يرصف بالحجارة للمشاة والعابرين على الكر في الجزيرة العربية، يمشي في عرضه ثلاثة جِمال بأحمالها. وطالب المؤرخ القصير بإعادة تأهيل هذا الموقع التاريخي، ليكون محطة استراحة وجلوس، بعمل مواقع وجلسات ومخيمات، بخدماتها ومرافقها العامة للمصطافين والزائرين وعشاق الرحلات والطبيعة.
وقد عُلم مؤخراً بأنَّ الهيئة العامة للسياحة والآثار قد أدرجت مشروع ترميمه ضمن مشروعات تهيئة المواقع السياحية بالطائف.
على أية حال، ومع هذه المعطيات السياحية الإيجابية لمنطقة الهدا تبرز بالمقابل معطيات سلبية يحول استمرارها دون حصول السائح أو المصطاف على منتجات سياحية اقتصادية مناسبة. كما يحول استمرارها دون نجاعة تحقيق أهداف صناعة سياحية تنافسية، ببيئة استثمارية نشطة، ووجهة مستدامة.
من أبرز هذه المعطيات السلبية:
* غياب التخطيط العمراني السليم، أو التخطيط الحضري، الذي يُعنى بكافة مناحي الحياة الحضرية. فالهدا أساساً منطقة زراعية، وكان الأولى أن يتم التخطيط الحضري والبيئي والهندسي لأراضيها وأحيائها وطرقها الداخلية قبل أن تقام عليها المنشآت السكنية والخدمية. ممَّا ترتب على ذلك بروز الأحياء والمساكن العشوائية، والأزقة والطرق الداخلية الضيقة والملتوية.
* الارتفاع الشديد نسبياً في المستوى العام لأسعار الكثير من المنتجعات والفنادق والشقق السكنية، بما يرهق بالتالي ميزانية السائح أو المصطاف، وقد يدفعه ذلك للبحث عن وجهة سياحية أخرى تحقق له التناسب بين تكلفة برنامجه السياحي ودخله المتاح. ومن ثمَّ تبدو ضرورة العناية بسياسات تسعيرٍ تأخذ في اعتبارها الموازنة بين العائد الاستثماري وجودة الخدمات المقدمة.
* الانخفاض الشديد نسبياً في المستوى العام لنظافة بعض المنتجعات والشقق السكنية، والمطاعم، وبدرجات متفاوتة، وهذا الأمر من معوقات بناء صناعة سياحية مستدامة. وتبدو الإشكالية أكبر، بما يخص المطاعم، فأغلبها يفتقد لأدنى مقومات النظافة، وبما يؤثر على صحة وسلامة مرتاديها. لذا فمن المهم جداً إعادة النظر في آلية عمل الأجهزة الرقابية، بما يسمح بتطبيقات أكثر صرامة، ورقابة أشد حزماً، على المنتجعات والمطاعم التي لا تعتمد معايير النظافة المطلوبة.
* عدم العناية الكافية بمنظومة خدمية صحية جيدة لتغطية الكثافة السكانية المتواجدة في منطقة الهدا خلال موسم الصيف، وقد يكون من المناسب جداً إقامة مراكز صحية مؤقتة تعمل خلال فترة الموسم السياحي.
بالمحصلة النهائية منطقة الهدا منطقة جذب سياحي بامتياز، وهي بعهدة الهيئة العامة للسياحة والآثار، ومجلس التنمية السياحية بالطائف، ونتطلع جميعاً إلى قيام هاتين الجهتين بمعالجة كل المعوقات السياحية، بما يكفل تحويل الهدا إلى بيئة استثمارية نشطة، ووجهة سياحية مستدامة، تتيح للسائح أو المصطاف سياحة عائلية عالية الجودة بتكلفة اقتصادية مناسبة. كما نتطلع كذلك إلى مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - بالموافقة على تشكيل لجنة عليا لدراسة تقديم مشروع تطويري شامل لمحافظة الطائف، لدعم مكانتها الاقتصادية والسياحية، وبما يستجيب إجمالاً لتطلعات الدولة والمجتمع لتنمية قطاع السياحة في المملكة على وجه العموم وفي الطائف والهدا على وجه الخصوص.
شهادة تاريخية: في كتابه «الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف» الصادر في عام 1350هـ - أي منذ 80 عاماً ونيف - يصف أمير البيان شكيب أرسلان منطقة الهدا بأنَّها قرية من أشهر قرى الحجاز، وفيها جنان ومنازه، وبعض مصايف لأهل مكة، ولها منظر على وادي نعمان لا مثيل له في بلاد العرب، لأن الناظر يشرف منها على شفير الوادي المسمى «الكرا الكبير» ذي العقبة الشهيرة التي تأخذ ثلاث ساعات على الصاعد، وهي من الوقوف في مثل الحائط، وإذا أشرف الرائي على حافة هذا الشفير لم يكن أمامه العمق الهائل فقط، بل العمق الهائل والعرض المدهش فالنظر هناك مد ليس له حد».