يخطئ أحدنا عندما يظن بأن الثقافة مجرد تراكم كمي من المعرفة الأدبية والفنية والتاريخية والجغرافية فحسب، وأن الثقافة لا يعدو كونها إلا حالة نرجسية حالمة يحيا صاحبها في فضاءات ميتافيزيقية خارج منظومة الواقع المدرك، إطلاقا ولا يصح القول في ذلك أو الحديث أو حتى الهمس، إنّ الثقافة أسلوب حياة ودليل عمل وسلوك متحضر، في مجتمع متطور
والمثقف هو العقل التنويري الذي يمثل البوصلة التي تتحكم بسلوك الناس وأسلوب الحياة، لذا لا يصح أن يبقى هذا العقل في منأى عن المساهمة الفعلية في إدارة الحياة وتوجيه سلوكيات الناس الوجهة الصحيحة والسليمة، وفق مسئوليات جمة وعظام، إن ثمة أسئلة كثيرة لا مناص من الإجابة عليها ونحن نروم محاججة المثقف والدور المناط به في مرحلة التغيير النوعي في البناءات التحتية والفوقية والمعطيات الإيجابية والسلبية التي أفرزها هذا التغيير، إذ إن الثقافة بوصفها من الفواعل الرئيسة في إحداث التغيير المصاحب لعملية التحول، لا يمكن لها أن تفعل فعلها المؤثر من دون حراك ناشط يديمه المثقف بوعيه ومنجزه وخلقه وإرادته ومواقفه العاقلة المتزنة، ومن دون أداء هذا الدور، سيبقى المثقف على هامش الحياة إن حضر لا يعد وأن غاب لا يفتقد، إن الانغلاق على الذات، أو الانغماس في الأشياء الشخصية أو الاتكاء على الآخر، لا يغفر للمثقف، لأن انزواء المثقف الحقيقي وليس المثقف الملفق سيفتح كوة يمرق من خلالها الأدعياء والإمعات أشباه المثقفين، إنّ الثقافة تقترن بالحياة ومعطياتها والمثقف من أشد الداعين إلى نمو الحياة ومجاراتها والعمل فيها، إن المثقف مثل المنارة بالنسبة للبواخر والسفن العابرة، عليه مواصلة النداء، نداء الوعي والإخلاص والإرشاد والتوعية والتقويم، إنّ أخطر ما يواجه المثقف هو الشعور باليأس والإحباط أو غض الطرف عن حالات التداعي التي تنتاب المجتمع، فالمجتمع يعول على المثقفين في إحداث الأجمل والأحلى والأحسن وليس ترك الحبل على غارب الجهلة أو أشباه المثقفين، إنّ المثقف يمثل أقصى درجات الوعي ولا قيمة للوعي إذا لم يؤتي ثماره الناضجة على صعيد توجيه الرأي العام، وممارسة النقد البناء وتنمية وتائر التفكير النقدي بقصد الرقي في نواحي الحياة كافة، إن من المؤسف أن نفترض واهمين انفصال الثقافة عن مجمل المتغيرات الحاصلة في بنية المجتمع، إذ إن الثقافة تمثل الصورة الجميلة، الواعية، الشفافة للمجتمع، ولذلك، لا يصح أن تشوه تلك الصورة، فتبدو قبيحة بفعل السلوكيات القبيحة التي تغذيها الأنانيات الفجة والأفكار المتطرفة والضغائن المقيتة والأعراف المتخلفة، على وفق هذا التصور، تتضح مسؤولية المثقف بأبهى صورها الناصعة ودوره المبين في تصعيد سلالم الوعي ومجابهة بؤر الفساد ومواضع التخلف والارتدادات من أجل تأكيد حالة وهوية مجتمعه، إن المثقف الذي يؤثر في امجتمع ويترك صداه مدوياً في ذاكرة الأجيال، هو الذي ينتمي إلى الجمال والتسامح والفكر التنويري والمجتمع الحي، وإن المثقفين يصوغون هوية الأمة وخصوصية المجتمع عبر ما ينتجون من إبداعات تؤسس التاريخ الثقافي الذي يعد الظهير الحضاري لأية أمةٍ كانت، وإن الأمة التي تفتقر إلى الثقافة تكون خاملة، تسير كما الزواحف، ولا تقوى على الإمساك بمقومات الوجود الحضاري للأمم، فتغدو على هامش الأمم المتحضرة، كما أن المثقف في أبهى صوره، يمثل إرادة الأمة التي لا تقهر، والرصيد الفكري والأخلاقي الذي يقاوم صدأ الأرواح الميتة وتآكل النفوس المريضة، إن الحاجة ملحة إلى العقول التنويرية التي تأخذ على عاتقها مهمة تبصير الناس بحقائق الأمور وإرشاد التائهين، والمناهضون لقوى الظلام والتخلف، وتلك هي مسؤولية المثقف ودوره الحقيقي.
ramadanalanezi@hotmail.com