|
الجزيرة - د. حسن الشقطي
تشير التقارير الحديثة الصادرة عن صندوق النقد الدولي إلى أن المملكة تشهد مستويات مرتفعة من النمو الاقتصادي في عام 2011م، فقد سجل الناتج الإجمالي المحلي في الربع الأول من عام 2011م نمواً ملموسا ، وهو ما قد يعزز من فرص تجاوز حجم الناتج المحلي الإجمالي الـ 2000 مليار ريال هذا العام، مقابل 1.68 تريليون ريال في العام السابق، كما سجلت مؤشرات صندوق النقد الدولي ارتفاعا في نصيب المواطن السعودي من الناتج الإجمالي المحلي ليصل إلى 81.2 ألف ريال مقابل 60.9 ألف ريال في العام السابق، أي بمعدل نمو يقترب من 27.6%، ويرجع هذا النمو الكبير في الناتج الإجمالي المحلي إلى ارتفاع أسعار النفط، والتي أدت إلى انتعاش الاقتصاد الوطني ووجود احتمالات قوية بتحقيق فائض كبير في ميزانية المملكة.
ومن خلال هذا التقرير الموجز نجيب على عدد من التساؤلات الهامة التالية: كم سيبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي؟ وكم يتوقع أن تصل حجم الإيرادات الفعلية في ميزانية عام 2011م التي هي على أبواب الصدور قريبا ؟ وكيف استجاب ويستجيب سوق الأسهم لهذه التقديرات غير المسبوقة بالاقتصاد الوطني ؟
توقعات حجم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة لعام 2011م
تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي بالمملكة سيصل لعام 2011م إلى ما يناهز 2.1 تريليون ريال، وقد ارتكز بناء هذه التوقعات بشكل أساسي على النمو المتوقع في الناتج النفطي في ضوء تسجيل الأسعار العالمية للنفط زيادات كبيرة واستقرارها فوق متوسط 100 دولار للبرميل طيلة شهور العام تقريبا، بشكل يتوقع أن ينمو معه الناتج النفطي بنسبة لا تقل عن 17%. أما العنصر الثاني المهم في نمو الناتج، فيتأتى من نمو القطاع الحكومي، الذي من المتوقع أن ينمو بنسب عالية في ضوء الإنفاق الحكومي الإضافي في ضوء القرارات الملكية خلال عام 2011م، فإذا افترضنا أن الناتج المحلي الإجمالي سينمو بمعدل موازي لنموه خلال الربع الأول من عام 2011م (حيث بلغ حوالي 479 مليار ريال)، وبمعرفة أن القرارات الملكية صدرت تقريبا في نهاية هذا الربع، أي لم يكن لها تأثير عليه، فإن حجم الناتج سيصل إلى حوالي 1916 مليار ريال، أما إذا أردنا أخذ القرارات الملكية في الاعتبار فإن حجم الناتج لن يقل عن 2100 مليار ريال، ويعتبر هذا المستوى للناتج قياسيا وهو الأعلى في التاريخ الاقتصادي للمملكة، والأمر المستغرب هو حدوث هذا المستوى في ضوء أعنف اضطرابات سياسية شهدتها المنطقة العربية في تاريخها الحديث، وفي ضوء أعنف اضطرابات اقتصادية شهدها قطبي الدول الصناعية (أوروبا وأمريكا) في ضوء أزمات مديونياتهما السيادية.
توقعات حجم الإيرادات الفعلية
بميزانية عام 2011م
توجد أكثر من طريقة لتوقع الإيرادات، إلا إن العامل المشترك الذي يجمعها جميع يتمثل في السعر العالمي للبترول، الذي يمثل العنصر الأكثر مساهمة في الإيرادات الحكومية، ويتشابه هذا العام مع ما حدث في عام 2008م تقريبا وبشكل كبير، فالتغير المؤثر على الإيرادات الحكومية لا يتمثل فقط في السعر العالمي للنفط، ولكن أيضا في الكمية المصدرة للنفط، ومن قبلها الكمية المنتجة بالمملكة، وتعتبر كافة التوجهات هذا العام إيجابية، وتصب في صالح توقع نموا كبيرا في حجم الإيرادات الحكومية، بشكل ربما يفوق الزيادة الحادثة في عام 2008م، فقد وصل حجم الإيرادات في عام 2008م إلى حوالي 1100 مليار ريال في ضوء كمية منتجة 9.2 مليون برميل يوميا وبمتوسط سعر عالمي للنفط بلغ 97.9 دولار للبرميل، أما في هذا العام 2011م، فقد بلغ متوسط الإنتاج اليومي خلال الأرباع الثلاثة المنتهية من هذا العام إلى حوالي 9.16 مليون برميل يوميا، أي بكمية تقل بشكل طفيف (0.5%) عن مستوى الكمية المنتجة في عام 2008م، وبمتوسط سعر بلغ 111.6 دولار للبرميل، أي نستطيع القول إن عام 2011م شهد إنتاج كمية أقل قليلا (بنسبة 0.5%)، ولكن بمستوى سعري أعلى بنحو 13.9% عن مستويات عام 2008م.
وعليه فإن التوقعات المبسطة تشير إلى توقع زيادة في مستوى الإيرادات الفعلية للدولة لعام 2011م بنسبة تصل إلى حوالي 10% عنها في عام 2008م، أي أنها من المتوقع أن تصل إلى حوالي 1210 مليار ريال، ولعل المقدر للمصروفات في موازنة عام 2011م كان يصل إلى حوالي 580 مليار ريال، وفي ضوء القرارات الملكية في بداية هذا العام والتي ضخت ما يقرب من 250 مليار ريال تقريبا كإنفاق حكومي إضافي، فإن حجم المصروفات الفعلية لعام 2011م يتوقع أن يصل إلى حوالي 830 مليار ريال، وبالتالي فإنه من المتوقع أن تحرز ميزانية عام 2011م فائضا قياسيا يصل إلى حوالي 380 مليار ريال .
أين سوق الأسهم من الدورات
الاقتصادية بالسوق المحلي ؟
معزول أو منفصل .. يمكن أن تكون المصطلح الذي يعبر عن واقع سوق الأسهم في ضوء المعدل المتوقع لنمو حجم الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2011م، بل من المستغرب أن نجد ناتجا محليا إجماليا ينمو بمعدل يفوق كثيرا معدلات نمو وتحرك مؤشر سوق الأسهم، فمؤشر السوق على مدى العامين الأخيرين ربح فقط (98 نقطة) أو ما يعادل 1.6%، وهي نسبة ضئيلة للغاية ولا تضاهي أو تتناسب مع معدلات نمو الناتج بالمملكة، ففي كافة الدول معدلات نمو الناتج تبدو ضيقة وضئيلة، وتبدو مؤشرات بورصاتها المالية تنمو بمعدلات أسرع من معدلات نمو نواتجها المحلية لأن الناتج المحلي غالبا يكون بطيئا ويتحرك بصعوبة، أما أسواق المال تبدو أكثر حركة ونشاطا في استجابتها لأي نمو في قطاعاتها وأنشطتها الاقتصادية.
البعض لا يعول كثيرا على دورات النشاط الاقتصادي في تحريك مؤشر سوق الأسهم المحلي، على أساس إضفاء طبيعة خاصة على السوق المحلية وأن هذا طبيعتها، إلا إن الدورات الاقتصادية في الحقيقة هي أساس السيولة النقدية، وهي أساس حالة التفاؤل أو التشاؤم التي تصيب المستثمرين بالسوق، فحركة النشاط هي المحدد الرئيسي لحجم أرباح الشركات، وبالتالي حجم السيولة المتراكمة لديها، ومن ثم تحديد حجم الفوائض النقدية لدى الأفراد، ومن ثم تحديد النسبة التي يمكن توجيهها إلى الاستثمار في سوق الأسهم.
لماذا سيولة الأفراد هي الغالبة على تداولات سوق الأسهم .. دون سيولة الشركات ؟
في الحقيقة هذا الواقع هو ظاهرة بالسوق السعودي دون كثير من الأسواق الأخرى، ويرجع ذلك إلى أن الثروات بالمجتمع السعودي هي ثروات لأفراد رغم أنها قد تكون ثروات لأنشطة مؤسسية أو لشركات مملوكة لهم، ورغم أن الثروات أو الفوائض المالية نابعة عن شركات أو أنشطة اقتصادية، إلا إن التفضيل الرئيسي للمستثمرين يكون في المشاركة بأسمائهم دون شركاتهم في سوق الأسهم، ويجد المستثمرون أنفسهم في خيار تفضيل الانزواء عن شركاتهم، إلا في الحالات التي تصبح شركاتهم ضمن المؤسسين لشركات مدرجة معينة بسوق الأسهم، ولعل الإفصاح عن قوائم كبار الملاك بالسوق السعودي عزز من تفضيل الاستثمار في شكل الأفراد بالسوق دون الشركات، بل أظهر نوعا من الحرص على الاستثمار في الشركات بنسب تقل عن 5% لعدم ظهور أسمائهم في قوائم كبار الملاك، وتنبع دوافع ذلك من دوافع أحيانا يكون مبتغاها البعد عن الحسد أو البعد عن الظهور بمحافظ استثمارية ضخمة أو الخوف من الوقوع تحت طائلة النظام سواء بقصد أو بدون قصد حال حدوث مخالفات أو مضاربات في أسهم شركات معينة أو غيرها.