فتاتان سعوديتان عشرينيتان، أنقذتا أطفال صفيهما من الموت اختناقًا في حريق مدرسة براعم الوطن الأهلية بجدة، هما ريم النهاري وغدير كتوعه، الأولى بادرت إلى أن ألقت تلاميذ التمهيدي واحدًا وحدًا من شباك الفصل ليتلقفهم الرجال في فناء المدرسة، وحينما أنجزت مهمتها البطولية، قفزت هي وسقطت ميتةً على الأرض، والثانية قضت اختناقًا بين الأدخنة، فماذا علينا أن نفعل كي لا نشعر بالذنب تجاههما؟.
أحد الإعلاميين الأصدقاء، وهو الزميل تركي الدخيل، اقترح من على صفحته بتويتر فتح باب التبرع لأسرة ريم، ودشن ذلك بتبرعه بخمسة آلاف ريال، وهي حتمًا مبادرة نبيلة تستحق الثناء، وليست غريبة على إعلامي كبير يشعر بدوره ومسؤوليته تجاه مجتمعه، خاصة إذا علمنا أن ريم النهاري يرحمها الله، كانت تعول أسرتها، لإصابة والدها بمرض القلب ورحيل والدتها قبل عام، حتى تحولت إلى آلة تطحن لأجل تأمين المعيشة لخمسة أفواه بينهم طفل معاق، وتسعى إلى تأمين إيجار الشقة المتواضعة، بمرتب هزيل لا يتجاوز ألفي ريال، كمعلمة في مدارس القطاع الخاص.
ماذا تعني مثل هذه الواقعة لدى حكومتنا الرشيدة؟ هل هي إصابة عمل، ويحق لأسرتيهما التعويض المادي عن حياتيهما؟ أم هي بطولة تستحقان عليها التكريم من الحكومة؟ أجزم أن خادم الحرمين الشريفين الذي عرف عنه مؤازرته للمرأة السعودية، ودعمه لها، والذي عرف عنه أيضًا محبته للأشخاص الشجعان وتقديرهم، كما فعل مع فرمان خان، الباكستاني الذي أنقذ 14 غريقًا في سيول جدة، ومنحه وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، لن يتأخر بتكريم الشهيدتين ريم النهاري وغدير كتوعه يرحمهما الله رحمة واسعة.
صحيح أن كل ما نفعله لأجلهما لن يعيدهما إلى الحياة، فلن تعود مثلاً ريم إلى البيت لاهثة بعد يوم دراسي طويل، كي تكمل يومها راكضة نحو مطبخ الشقة الصغيرة، لتجهز وجبة الغداء لهذه الأفواه الجائعة، لكننا، ونحن نؤمن بقضاء الله وقدره، نسعى لأن نخفف المصاب عن أسرتيهما، وندعو لهما بالصبر والسلوان، ونبادر إلى فعل ما يقي أسرتيهما - بعد الله سبحانه - شر الحاجة والجوع، سواء بالدعم الحكومي المتوقع، أو بالدعم الشعبي الذي سيجعلنا أنموذجًا للتكاتف والتراحم فيما بيننا.
ولن أقول ماذا على وزارة التربية والتعليم أن تفعل، من التشديد على توفير مخارج النجاة في أي مبنى مدرسي حكومي أو مستأجر، من سلالم خارجية في الأطراف يتم اللجوء إليها عند حالات الحريق، كما هو الحال في أي مبنى في أنحاء العالم، ولن أقول ماذا يجب على فرق الدفاع المدني أن تفعل، من تطوير في تجهيزاتها وكوادرها البشرية، واستشعار للمسؤولية دائمًا تجاه أرواح الناس، ولكن أتمنى على وزارة التربية والتعليم أن تكرّم البطلتين ريم النهاري وغدير كتوعه، بتخليد اسميهما وإطلاقه على أي مرفق تعليمي، مدرسة أو قاعة ندوات أو ما شابه، فهما شخصيتان إنسانيتان نادرتان، تؤثران حياة الآخرين على حياتيهما، ويجب أن تبقى ذكراهما نموذجًا مشرّفًا للأجيال القادمة، ولبراعم الوطن بأكمله.