في لقاءٍ مع برنامج «من واشنطن» الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية مؤخراً تحدث الدكتور محمد جواد لاريجاني مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية عن رؤية الحكومة الإيرانية للعديد من القضايا ذات الصلة بملفها النووي
والوضع الأمني في منطقة الخليج العربي. طبعاً لم يمر اللقاء وكعادة المسؤولين الإيرانيين والذي أصبح تأكيد فارسية الخليج هاجساً لا يفارقهم وجزءاً لا يتجزأ من مهامهم الرسمية، فلم يخل اللقاء من إشارة الدكتور لاريجاني على أن المسمي الصحيح للخليج العربي هو الخليج الفارسي كون الجمهورية الإسلامية تطل علية بسواحل طولها ألف ومائتا كيلو متر. ونسي وتناسي الدكتور لاريجاني الذي قضي صباه في العراق بأن هناك سبع دول عربية تقع على الخليج العربي هي المملكة، الكويت، العراق، الإمارات، قطر، عمان والبحرين وبأن ضفته الشمالية الشرقية تسكنها قبائل عربية أصيلة من قبل بروز شمس الإسلام من بني تميم وتغلب وبكر بن وائل وربيعة وبني لخم. وهذه الضفة كانت تاريخياً عربية حتى سقطت آخر إمارتها بتحالف البريطانيين مع الإيرانيين عام 1925م ضد حكم إمارة الكعبيين بزعامة الشيخ خزعل بن جابر الكعبي. وسماها الإيرانيون حينها عربستان بمعني أرض العرب ثم حوروا الاسم إلى خوزستان لفرض حقائق جغرافية سياسية لتكريس الاحتلال.
تحدث الدكتور لاريجاني في سياق حديثة عن ما أسماه باحتلال المملكة للبحرين وهي مقولة مضحكة يرفضها الجميع بما فيهم غالبية أصحاب الشأن من أهل مملكة البحرين الكرام. ويعلم القاصي والداني بأن المملكة لم يكن لها أبداً مطامع توسعية سواء في البحرين أو غيرها من دول جوارها وسياستها مبنية على تعزيز التعاون مع الأشقاء في الجوار وتعمل بكل ما أوتيت من جهد وبشكل سلمي وودي لحل كل ما قد يطرأ من خلاف بين أشقائها. ويعرف الجميع أن تواجد القوات السعودية في البحرين هو ضمن قوات درع الجزيرة في مهمة حددت أهدافها سلفاً وهي المساهمة مع قوات دفاع مملكة البحرين الشقيقة في الحفاظ على مصالح الشعب البحريني الإستراتيجية من تعرضها للتخريب والتدمير من قبل أقلية موجهة من الحكومة الإيرانية وضعت مصالح دولة أجنبية فوق مصالح وطنها وانطلقت بدون وعي أو تفكير في محاولة لتدمير منشآت كلفت البلايين من الدينارات لبناء دولة عصرية تكفل حقوق ورخاء كافة مواطنيها. كذلك يعلم الجميع بأن قوات درع الجزيرة تضم وحدات عسكرية من كافة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وميثاق مجلس التعاون الذي أقرة زعماء دول المجلس بحكمة وثاقب رؤيا من أكثر من ثلاثين سنة خلت يتيح لكل دولة من أعضائه بطلب المساعدة العسكرية من بقية الأعضاء في تعرضها ومصالحها للخطر، وهذا ما اتضح جلياً في الحالة البحرينية. وكل من يقارن تواجد قوات درع الجزيرة في مملكة البحرين بالاحتلال فأنة كمن يحاول أن يحجب أشعة الشمس بغربال وحقيقة تواجد القوات بادية للعيان لا يجافي حقيقتها إلا مضل مسوق للأكاذيب التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والحقائق تبقي حقائق والأكاذيب كذلك تبقى أكاذيب مهما سوق لها. ومن باب ربط الأقوال بالأفعال وبأن تواجد قوات درع الجزيرة في مملكة البحرين لم يتم اتخاذه من قبل قيادة مملكة البحرين جزافاً، بل كان قراراً حكيماً أتخذ بتمعن وحكمة فلقد تم الإعلان مؤخراً وبجهد مميز من الأمن القطري الشقيق عن القبض على خلية من خمسة أفراد تنسق مع الحرس الثوري الإيراني كانت تهدف إلى القيام بأعمال تخريبية في مملكة البحرين تشمل استهداف مبني وزارة الداخلية البحرينية وسفارة المملكة بالمنامة وجسر الملك فهد الذي يربط بين البحرين والمملكة. ورداً على الدكتور لاريجاني وهو السياسي المحنك وعالم الرياضيات فشتان بين من يهدف إلى تأمين بلد شقيق في حرصه على أمن مواطنيه ومصالحه الإستراتجية امعرضة للخطر كما هو حال دول مجلس التعاون مع شقيقتهم مملكة
البحرين، وبين مسعى الحكومة الإيرانية الهادف إلى تأجيج الفتن والفوضى وإشاعة روح الفرقة والطائفية البغيضة بين أهل الوطن الواحد.
نسي الدكتور لاريجاني أو تناسي أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحتل ثلاث جزر إماراتية هي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، والتي احتلتها قوات شاة إيران بتاريخ 30 نوفمبر 1971م. ولقد حاولت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة الدخول في مفاوضات سلمية لحل قضية هذه الجزر بالطرق السلمية ولم تتلق من طرف الحكومة الإيرانية سوي الصد والرفض التام للحوار. ومن باب حسن النوايا من قبل حكومة دولة الإمارات العربية الشقيقة فلقد عرضت على الحكومة الإيرانية عرض موضوع الجزر أمام محكمة العدل الدولية وكان رد الحكومة الإيرانية وكعادتها مليء بالفوقية والاستعلاء وبأن الجزر إيرانية للأبد.
تحدث الدكتور لاريجاني خلال اللقاء عن محاولة اغتيال سفير المملكة لدي الولايات المتحدة الأمريكية الأستاذ عادل الجبير ونفي تورط إي مسؤول إيراني في محاولة الاغتيال التي كشف عن تفاصيلها مسؤولون أمريكيون.. وذكر في سياق حديثه عن انتقائية في تعاون الأمريكيين في الحوادث الإرهابية وفي هذا الصدد أفاد بأن انفجاراً وقع في مسجد في شيراز وأن الجهة التي قامت بتنفيذه تدعي منظمة الرعد (Thunder Organization) والتي يقع مقرها في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وبأن الحكومة الإيرانية أعدمت اثنين أو ثلاثة من المتورطين في الحادث الإرهابي وقدمت أدلة دامغة للحكومة الأمريكية لتسليم العقل المدبر للحادث الإرهابي والذي يعيش في أمريكا، ولكن السلطات الأمريكية المختصة رفضت تسليمه للحكومة الإيرانية. يضيف الدكتور لاريجاني بأن عدم قيام الحكومة الإيرانية في حينها بكشف عدم تعاون الأمريكيين في تسليم الجناة خصوصاً بعد أن قدمت أدلة دامغة تدينهم في تورطهم في حادث مسجد تفجير المسجد في شيراز كان خطأً فادحاً من قبل الحكومة الإيرانية بشكل عام والدبلوماسية الإيرانية بشكل خاص. يضيف الدكتور لاريجاني ما معناه بأن فرصة ذهبية سانحة لفضح ازدواجية معايير الولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة الإرهاب تم تفويتها. ومن منطلق منطق الدكتور لاريجاني تقدم وفد المملكة لدي الأمم المتحدة بمشروع قرار سيتم عرضة على الجمعية العام للأمم المتحدة المكونة من 193 دولة يحث إيران على أن تلتزم بالقانون الدولي وبأن الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة يأسفون لمحاولة اغتيال سفير المملكة العربية السعودية لدي الولايات المتحدة الأمريكية، ويدين مشروع القرار الإرهاب في كل صورة ويدين بشدة أعمال العنف ضد البعثات الدبلوماسية والقنصلية والممثلين الدبلوماسيين والقنصليين. ويحث كذلك مشروع القرار الحكومة الإيرانية للامتثال لكل التزاماتها بموجب القانون الدولي والتعاون مع الدول في مقاضاة كل من شاركوا في التخطيط والرعاية والتنظيم ومحاولة التنفيذ لمؤامرة اغتيال السفير السعودي. قرار معتدل للغاية لا يتهم الحكومة الإيرانية بتهمة محاولة اغتيال السفير، بيد أن هذا لم يعجب وزير الخارجية الإيرانية السيد علي أكبر صالحي والذي صرح للصحفيين بعد اجتماع مجلس الوزراء الإيراني يطالب المملكة بتعديل مسودة القرار المقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة والمتضمنعدة بنود ضد إيران. وأضاف السيد صالحي بأن مشروع القرار بصفة الحالية سوف يقوض الجهود المبذولة للتقارب بين المملكة وإيران.
وعوداً لحديث الدكتور لاريجاني بأن إيران فوتت فرصة ذهبية في فضح تخاذل أمريكا فيما يخص ازدواجية معاييرها في مجال مكافحة الإرهاب، ففي المقابل فالمملكة تقدمت بمشروع القرار المعتدل للغاية والذي لا يدين الحكومة الإيرانية مباشرة بل يطلب تعاونها. وإذا كان هذا الآمر يغضب الحكومة الإيرانية والجهود المبذولة للتقارب بين الرياض وطهران كما أفاد السيد علي أكبر صالحي في تصريحه عن مسودة قرار المملكة للجمعية العمومية للأمم المتحدة فعلية العودة إلى حديث الدكتور لاريجاني حادثة تفجير مسجد شيراز أو التنسيق معه.
Alfal1@ hotmail.com