كنت أعتقد أن تجفيف «بحيرة المسك» في جدة أمر مستحيل، حتى صدر الأمر الملكي الكريم الذي حَمَلَ المسؤولين على تجفيفها في أشهر معدودات؛ فرضت سيول جدة التعامل مع قضية مياه الأمطار والسيول، والصرف الصحي بإسلوب تنفيذي لم تعهده المحافظة من قبل. الأمير خالد الفيصل أعطى مشروعات منطقة مكة المكرمة بُعدا إداريا كانت في أمس الحاجة إليه؛ لم تكن المنطقة يوما تشتكي قصورا في الميزانيات المرصودة بقدر ما أشتكت من ضعف الفكر الإداري القادر على تنفيذ المشروعات الحيوية بكفاءة وفي وقتها المحدد.
أسلوب التعامل مع مشروعات السيول والأمطار، والصرف الصحي تغير بعد كارثة جدة، ما ساعد في إنجاز الكثير منها قبل موعدها المحدد. قبل أيام أعلنت إمارة منطقة مكة المكرمة إنجاز 12 مشروعاً من مشروعات الحلول العاجلة الـ 14 لمعالجة مياه الأمطار وتصريف السيول في محافظة جدة؛ أسلوب ترسية المشروعات، الشركات المنفذة، الرقابة، والإدارة الفاعلة من قبل أمارة مكة المكرمة أسهم في تنفيذ المشروعات الحيوية والإستراتيجية التي تسبب غيابها، في حدوث كوارث مؤلمة أضرت بالجميع.
مشروعات الصرف الصحي لم تكن أقل أهمية من معالجة مياه الأمطار السيول؛ فبسبب تأخر إنجازها تحولت جدة إلى بيئة حاضنة للأوبئة والأمراض بسبب طفح مياه الصرف الصحي، وارتفاع منسوبها، وإختلاطها بمياه الشرب. لم تستطع الوزارة خلال ثلاثة عقود مضت، من إنشاء شبكة صرف صحي قادرة على التخلص من المياه القذرة، ومعالجتها، وحماية البيئية والسكان من الأوبئة والأخطار المُحدقة. الأسلوب الخاطئ في التعامل مع قضية الصرف الصحي تسبب في تعاظم المشكلة لا حلها. أعتقد أن تخصيص قطاع المياه كان بداية الحل لكثير من مشكلات الصرف الصحي في المنطقة، وسيكون الحل الناجع لجميع مشكلات البنى التحتية التي تعاني من مشكلات تنفيذية.
جريدة «الرياض» أشارت إلى أن «شركة المياه الوطنية» نجحت في «تسريع تنفيذ مشاريع حيوية لقطاعي المياه والصرف الصحي في جدة وتقليص فترة التنفيذ من 5 إلى 3 سنوات». الشركة بدورها أكدت أنها أنجزت تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع تغطية جدة بمنظومة الصرف الصحي، قبل ستة أشهر من موعدها، وهي بصدد ربط التوصيلات المنزلية بشبكة الصرف؛ وأكدت أنها قادرة على تنفيذ المشروع وتغطية كامل المدينة بشبكة متكاملة للصرف الصحي خلال ثلاث سنوات بدلا من خمس. ما كان مستحيلا خلال العقود الثلاثة الماضية، أصبح متاحا في ثلاث سنوات فقط!؛ إنجاز مشروعات الصرف الصحي قبل موعدها، وتغطية جدة بنسبة 100 في المائة بنهاية العام 2014 يعني الكثير للمواطنين الذين عانوا بسبب نقص الخدمات، وتعثر المشروعات، أو طول أمدها، ويعني أيضا حماية جدة، وسكانها من الأوبة والأمراض والأخطار المحدقة. تُرى كم من الأموال المُهدرة، والوقت المستنزف، والأرواح التي فقدت خلال العقود الثلاثة الماضية بسبب عدم إنجاز المشروعات الحيوية، ومنها معالجة مياه السيول والأمطار والصرف الصحي؟!.
الكفاءة الإدارية، الرقابية، والتنفيذية قادرة على إحداث التغيير في قطاعات التنمية، وبما يحقق الأهداف، وطموح المواطنين؛ أعتقد أننا قادرون على تنفيذ جميع المشروعات الحكومية بكفاءة شريطة توفر الفكر الإداري، والقدرة التنفيذية التي لا تسمح بالتعثر أو حدوث الأخطاء. نجاح «شركة المياه الوطنية» في التعجيل بإنجاز مشروعاتها الحيوية واختصار زمن التنفيذ، وتحقيقها وفق رؤية ولي الأمر، يُمكن استنساخه في الوزارات الخدمية التي تعاني مشروعاتها من التعثر وسوء التنفيذ. نماذج النجاح تستحق الإشادة، والتمييز؛ فمن المؤسف ألا تتوافق حركة بعض الوزارات الخدمية مع تطلعات القيادة التي تدفع نحو إنجاز المشروعات الحيوية في مواعيدها المحددة، وتنفق من أجلها مئات المليارات سنويا، في الوقت الذي تحقق فيه جهات أخرى أهدافها التنموية والخدمية بدقة وإتقان.
نحن في حاجة ماسة إلى نقل الفكر الإداري والتنفيذي الذي تتعامل به بعض النماذج المتميزة في الدولة، وتعميمه على الجميع، فالهدف هو إحداث التغيير الإيجابي في التعامل مع مشروعات التنمية وبما يحقق الأهداف التنموية الطموحة، والمتوافقة مع ما تنفقه الدولة من أموال مهولة لبناء الوطن وخدمة المواطنين. الوفرة المالية المتاحة قد لا تتكرر مستقبلا، ومن الحكمة الاستفادة منها في إنجاز المشروعات الحيوية والإستراتيجية في موعدها، ووفق المواصفات العالمية التي تضمن بقاءها لعقود قادمة.
f.albuainain@hotmail.com