ما أن تناقلت وسائل الإعلام خبر حريق مدرسة براعم الوطن إلا وتفطرت قلوبنا بعد سماع هذا الخبر المفجع، ورؤية المشاهد التي تدمع لها العيون وتتقطع لها القلوب ألما وحسرة على ما أصاب بناتنا بنات براعم الوطن كبارا وصغارا طالبات ومعلمات.
بداية قلنا: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} وختاماً نقول كلنا فداء لبراعم الوطن.
أباء وأمهات براعم الوطن كلمات نابعة بصدق وكلي أمل أن أعينكم على مبتلاكم وان أساهم في مساعدتكم وإن كنت بعيدة من حيث المكان عنكم...
عاش بناتنا أصعب لحظات حياتهم أصعب تجربة قد تمر عليهن على مدار الحياة، وكلنا ندعو الرحمن الرحيم أن لا تتكرر هذه الحادثة مع أحد أبدا، تجربة ملؤها الحزن والأسى، مشاعر الألم والحرقة، فقدان الأمان والأمل بأن يخرجوا من هذا البناء بعد أن استعادوا شريط حياتهم بحلوها ومرها،بعد أن تشبعت صدورهن بدخان قاتم وألسنة النار التي علت أجسادهن ولهيب الحرارة التي كاد أن يقضي عليهن، دخان وحريق - صراخ وعويل - واامعتصماه على لسان بناتنا
(أمي - أبي - أختي - معلمتي) أخرجونا...
تساقط بناتنا من نوافذ البناء وقد علت وجوههن الدهشة والرعب؛ كل يريد أن ينقذ نفسه ما أصعبها من لحظات حقا أصعب من أن يعيشها بناتنا ومعلماتنا..
دعونا نتدارك كارثتنا سوياً... دعونا نقدم يد العون لهن فهن في أمس الحاجة لنا..
كيف نفسر ما حدث؟ وكيف نتعامل معه؟
يجب أن نعلم أن الكارثة ما هي إلا حدث مزعج مفاجئ غير متوقع (حريق) يسبب إجهاد للشخص ويؤدي إلى تعطل حياته من نواحي كثيرة منها النواحي النفسية والعقلية والعاطفية والجسدية..
وقد تظهر هذه الآثار بعد عدة أشهر أو عدة سنوات حيث يظل الشخص يتذكر الكارثة وكأنه يعيش فيها ويحلم بها وتؤثر على عمله ودراسته وعلاقته بالآخرين نتيجة لذلك فإن طرق التدخل النفسي جزء من إدارة الأزمة.
تظهر علامات الصدمة في عدة مراحل يجب أخذها في عين الاعتبار:
المرحلة الأولى:
ينقسم أصحاب هذه المرحلة إلى فئتين منهم من يغمره مشاعر الصدمة الحزن والأسى والقلق والخوف لمن فقد عزيز أو أصيب بمكروه ومنهم من يغمره مشاعر السعادة إذا كان أفراد الأسرة على قيد الحياة.
المرحلة الثانية:
وتبدأ هنا مشاعر الألم والحزن بالظهور والعودة بشكل أكبر، ويكون الطفل أو المراهق أكثر سرعة من حيث الاستثارة الانفعالية والغضب، والاحتياج العاطفي.
وقد تظهر بعض علامات الاضطراب منها: الكوابيس - صورة الكارثة التي لا تفارق مخيلة الطفل - التبول اللاإرادي - الخوف من الظلام - تجنّب أي شيء يُذكرهم بما حصل لهم - الخوف من الازدحام - الخوف من الانفراد دون وجود الأهل أو الأمان للطفل - إعادة متكررة لاختبار الحدث الصادم من خلال اللعب.
وقد تظهر بعض الأعراض: من فقدان الشهية - اضطراب النوم - ضعف التركيز - الصداع - الإسهال - الإمساك - العنف - الغضب - العدوان اتجاه الأطفال الآخرين - القلق من المستقبل.
وقد تظهر بعض مشاعر الحزن - الإحباط - نقص الثقة بالنفس - المرارة وتأنيب الضمير ويشعر الطفل أو المراهق بأنه السبب في الكارثة - فيبدأ في العزلة والانطواء - ويفقد الاهتمام بالأنشطة والهوايات - فيجد صعوبة في استعادة نظام حياته. وقد تختلف درجة ظهور هذه الأعراض باختلاف المرحلة العمرية
المرحلة الثالثة:
وهي المرحلة التي تستلزم إعادة بناء حياة الطفل والأسرة من جديد وقد تأخذ عدة أشهر وقد تستمر إلى سنة حتى يتم التخلص من الآثار السلبية للكارثة.
كيف نساعد أنفسنا وبناتنا في تخطي هذه الصدمة؟
يجب الأخذ في عين الاعتبار أن تقديم العون النفسي بمثابة العلاج الذي يمنع تدهور الوضع إلى علة أو اضطراب يصعب التعامل معه.
1- كنقطة أساسية يجب أن يتكيف الأبوان مع الكارثة حتى يستطيع بناتهن أن يتكيفن عليها فالطفل والمراهق يتأثر بكل أفراد العائلة. (فهم القدوة).
2- استخدموا مهارات الاستماع الفعال وطرح الأسئلة مفتوحة النهاية واتركوا لهن مجال التواصل والتعبير عن مشاعر الخوف والألم. (فأنتم المنصتون).
3- أدعموا بناتكن بعبارات البسالة والشجاعة. (فأنتم الداعمون).
4- استأنفوا روتينكم اليومي بشكل سريع بشكل جيد بوجود جداول نشاطات (الطعام - الأنشطة - أوقات النوم العادية). (فأنتم القائدون).
5- حاولوا أن لا تعرضوا بناتكن لمشاهد تلفزيونية مثيرة ومزعجة وعنيفة. (فأنتم الموجهون).
6- أشعروهن بالأمان ثم الأمان ثم الأمان والحنان ثم الحنان ثم الحنان (فأنتم المربون).
7- استخدموا تقنيات الاسترخاء التنفسي والعضلي لمساعدتهن على التنفس بعمق والشعور بالراحة (فأنتم المعالجون).
8- ناقشوهن في الإجراءات التي قمن بها لحماية أنفسهن، وكيف يمكنهن التصرف مستقبلا لو تكرر مثل هذا الحدث. (فأنتم المرشدون).
9- اعملوا على دمجهن في أعمال وأنشطة جماعية تساعدهن في عملية التفريغ الانفعالي. (فأنتم المهتمون)
10- حاولوا أن تستنتجوا سويا النقاط الإيجابية من هذه الخبرة شجاعتهن - قوتهن- ليكون لهن دافع عل تخطي الأزمة (فأنتم الرائدون).
11- حاولوا شغل أوقات فراغهن بالأعمال والمهارات المسلية التي تضفي البهجة عليهن (فأنتم الماهرون).
12- ألزموا الصبر وادعوا لهم وكونوا بجانبهم وأجيبوا عن جميع أسئلتهم بطريقة تشعرهم بالاستقرار والهدوء والراحة. (فأنتم الصابرون).
فالمعدل الطبيعي للخروج من أي كرب هو ما بين 4- 6 أسابيع وعند عدم القدرة على التكيف والعودة إلى الحياة بشكل شبه طبيعي يستلزم اللجوء إلى المشورة الطبية المتخصصة. قال تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
* الأخصائية النفسية
Psychologist-basmah@hotmail.com