بين حائل وجدة مئات الكيلو مترات على خريطة الوطن، لكن المصائب جعلتها بمقدار المسافة التي تقطعها دمعة العين الحارة الحزينة على صفحة الخد الباردة المصدومة، وهي تحاكي خفقان قلب أذهلته كارثة الحريق في جدة، وفاجعة الطريق في حائل، والمصائب والعياذ بالله لا تأتي فرادا، فعلى ضفاف البحر الأحمر كانت جدة تسابق الزمن في بناء مجاري السيول قبل هطول المطر،
غير أنها في ذلك اليوم تمنت هطوله بغزارة لعله يطفئ ألسنة اللهب، التي حاصرت (براعم الوطن) فخطف الموت مُعلمة وإدارية مع إصابة 46 طالبة، وفي الشمال كانت حائل تسابق الزمن على درب التعليم الجامعي لعلها تلحق بالمناطق الأخرى، التي عرفت هذا التعليم منذ عقود، لكنها تمنت أن المقاعد لم تكن شاغرة، كي لا تفقد 13 طالبة من فلذات كبدها ويشكلن مستقبلا ً واعداً لها جئن مع أنوار الفجر إلى نعوش الموت.
لقد وقعت الكارثة في جدة وحلت الفاجعة في حائل، والجميع لازال في طور الصدمة وتحت سياط الحزن، في ظل إعلام حاضر ومكتئب ويملك ذاكرة الوطن الكبير، ما جعله يسأل بلسان حال كل مواطن لعل الصوت يصل لكل مسئول يملك الحقائق الخفية في عناصر الخبر: كيف؟ ولماذا؟ ومتى؟ وأين؟ ومن؟. لأن ما حدث ليس في سياق كوارث الطبيعة، أو بسبب أمور خارجة عن إرادة البشر، إنما نحن شركاء السلبية في ما وقع، مع الإيمان بقضاء الله وقدره، ولكن وفق الوعي الحقيقي لهذه المسألة الإيمانية التي تجسدت في مقولة الفاروق رضي الله عنه: (نفر من قدر الله إلى قدر الله)، بمعنى نأخذ بالأسباب وإن وقع لاحقاً خلاف ذلك.
فهل أخذنا بالأسباب المانعة بأمر الله في كارثة الحريق أو فاجعة الطريق ؟ . الواضح من المعلومات المتتابعة عن الحادثتين أننا استيقظنا على تقصير بائن في مكان ما، وكأننا لا نتعلم إلا بذهاب الأرواح ونزيف الدماء ومشاهد المصابين، رغم أننا نملك المخصصات المالية والإمكانات المادية، التي تضاهي كل بلدان العالم، بما في ذلك البلدان المتقدمة . لكننا مع تلك المخصصات والإمكانات لا ُنجيد إلا الفرجة على رمي كرة المسئولية بين الجهات الحكومية المعنية حتى تخرج عن خطوط المساءلة، بدل أن تعترف كل جهة بتقصيرها كي تتم المعالجة انطلاقاً منه وليس بنظام الترقيع . ما يعني وجوب التحقق من اشتراطات السلامة في جميع مدارسنا ومدى استعدادها البشري والمادي إزاء مثل هذه الكوارث، فتحويل المدارس إلى أشبه بالسجون بتلك القضبان لا يحل المشاكل التربوية، فخير لهم أن يهربوا من المدرسة من أن يهربوا إلى الموت لا قدر الله، فضلاً عن تدريبات الإخلاء الدورية . أما فاجعة طالبات جامعة حائل، فالجامعة الموقرة بادرت بنشر نعي وهذا شعور حميد يُسهم في تخفيف المصاب، غير أن المبادرة الإنسانية والمعالجة الحقيقية تتمثل في توفير سكن لطالبات الجامعة اللي يسكن مع أهاليهن في القرى ولا يستطعن السكن داخل حائل، كما يتمثل العمل الإيجابي في اعتماد ازدواج الطرق البرية وهذه مسئولية وزارة النقل أو البلديات، أو على الأقل صيانة تلك الطرق من الحفر والتشققات التي تسبب الحوادث المرورية باستمرار، فهناك حديث عن أن سبب فاجعة طالبات حائل كان بسبب حفرة في الطريق أودت ببناتنا إلى الموت عليهن رحمة الله.. إن حائل منذ زمن وهي تشكو واليوم لن تقبل أي عذر !!
kanaan999@hotmail.commoh_alkanaan@ تويتر