بعد الفشل الكبير لوزارة العمل في موضوع استقدام العمالة المنزلية، وتعثر المفاوضات مع كثير من الدول، والدور الهامشي الذي تقوم به اللجنة الوطنية للاستقدام، وتصريحات رئيسها سعد البداح، التي لا تقدم بل تؤخر، لم تظهر سوق سوداء لدينا فحسب، ولم تصل معدلات بيع البشر إلى خمسة وعشرين ألفًا أو ثلاثين ألفًا، ولم يصل رقم التأجير الشهري للعاملة المنزلية إلى أربعة آلاف ريال فحسب، بل أصبحت كثير من المكاتب تتفنن في طرق السلب والخداع والتغرير بالمواطن المحتاج.
وحسب ما وردني من بعض القراء أن آخر حركات الجشع لدى مكاتب الاستقدام أنه يعلن في الصحف عن توافر خادمات من مختلف الجنسيات، وحين تذهب إليه، وغالبًا مكاتبهم في الأدوار العليا، وربما في السطوح، يستقبلك موظف عربي، ويسأل عما تريد، ولا يكاد يستطيع الحديث معك لكثرة الرنين من هاتفين ثابتين، ومن جواله، من باحثين وباحثات عن خادمات، وكل مرة يبتسم لك معتذرًا: معلش سيادتك، ما هو كل العالم محتاجين!. كي تذعن لكل شروطه.
تسأله عن الخادمة، فينهض ويفتح لك غرفة مقفلة، كأنها سجن انفرادي، ثم يدعو الخادمة التي تقف أمامك، وتؤدي الدور التمثيلي بشكل مدهش، ابتسامتها واسعة، ستقوم بالعمل على أفضل وجه، إذا كان لديك أطفال فهي تحب الأطفال جدًا، وإن كان لديك امرأة مسنّة فهي حنون وعطوف. ومجرد أن توقع العقد وتدفع نصف المبلغ الكبير، وتذهب معك المبتسمة، وتدخل البيت بحماس، وتنام ليلتها الأولى، حتى تظهر وجهها الآخر في الظهيرة التالية، وتخبرك أنها لا ترغب في العمل.
ستحاول التفاهم معها عن السبب، لكنها ستتحول إلى امرأة خرساء بكماء، تحمل حقيبتها وتقف عند الباب الخارجي، ستضطر إلى إعادتها إلى المكتب، ويبدي لكل الموظف غضبه من تصرفها، وسيمثل عليك أنه يحاول أن يفهم سبب رفضها، المهم أنه سيحضر لك دفتر إيصالات استلام المبالغ، ويخبرك آسفًا أنه سيخصم ثلاثمائة ريال مصاريف المكتب، بالإضافة إلى أربعين ريالا مقابل أجرة يوم واحد، وستنفعل بأن الرفض جاء منها وليس منك. لكنك في النهاية ستقبل، وحين تخرج تفاجأ أن مواطنين غيرك ينتظرون في الغرفة/المسرح، وأن الخادمة ستخرج بعد نصف ساعة مع غيرك، وستمارس معه التمثيلية نفسها.
المدهش أن هذا النهب اليومي من مكاتب الاستقدام أثبت لهؤلاء أن هذه الطريقة أكثر كسبًا أو نهبًا من حالتنا قبل أزمة العمالة المنزلية، بينما وزارة العمل تمارس صمتًا ووعودًا لم تعد تجدي أمام فوضى سوق العمالة المنزلية.
قد يقول قائل إن دول العالم كلها لا توجد لديها عمالة منزلية، وأقول إن هناك حلولاً لكل ما يرتبط بالأسرة، فدور الحضانة منظمة ومنتشرة بطريقة مدروسة، وتستوعب الأطفال ما قبل المدرسة، مما يجعل الوالدين يذهبان للعمل بطمأنينة، من جانب آخر تختلف ثقافة الغرب عن ثقافتنا، فرعاية كبار السن متروكة للدولة، ودور الإيواء يتم التعامل معها باعتياد، في حين لا يمكن أن تجد في مجتمعنا من يتخلى عن والده أو والدته لمثل هذه الدور، لكنه حتمًا يحتاج إلى من يرعاهما خاصة حين يكون الابن أو الزوجة في مقر عملهما.
ليبقى السؤال الوحيد: متى تنتهي هذه السوق السوداء في تجارة البشر؟ متى نوقف هذه الفوضى والاستغلال؟.