بتوقيع الرئيس علي عبدالله صالح اتفاق نقل السلطة في اليمن، تضع البلاد قدمها لأول مرة على طريق طويل نسبياً لحل الأزمة المستمرة منذ عشرة أشهر في هذا البلد الذي كاد أن يتفكك ويدخل في أتون حرب أهلية وقبلية مدمرة.
وقد ترجم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز اهتمام المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية بسلامة اليمن وشعبها برعايته حفل توقيع المبادرة الخليجية ليتوج جهوده الحثيثة، وقد كان لافتاً استشهاد خادم الحرمين الشريفين بالآية الكريمة {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} لتذكيره وحثه الأشقاء اليمنيين بالالتزام والتنفيذ الأمين للاتفاق.
ومع أن التوقيع تأخر أكثر من مرة بسبب اختلاف تفسير الأطراف اليمنية المختلفة، وبالذات الرئيس علي عبدالله صالح وأحزاب المعارضة المتمثلة في تكتل اللقاء المشترك، وهذا التأخير رغم ما أفرزه من أزمات ومواجهات حفلت بسقوط العديد من أبناء الشعب اليمني كضحايا أبرياء نتيجة التنابز السياسي، إلا أن التأخير أفرز اتفاقاً متوازناً تضمنته آلية لتنفيذ خطوات مبرمجة تكفل لليمن عبور المرحلة السياسية المضطربة بالتوافق، من خلال تحويل صلاحيات الرئيس إلى نائبه دون أن يكون للرئيس حق نقضها، وبقاء الرئيس في منصبه لمدة تسعين يوماً يجري بعدها اختيار النائب الفريق عبد ربه منصور رئيساً توافقياً لمدة سنتين، وتشكل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الحزب الحاكم.
هذا التوافق والتفاهم الذي سيكون مراقَباً بدقة من قبل دول مهمة ومؤثرة إقليمياً ودولياً لا بد وأن يحظى بالتزام وتطبيق صادق وجاد من قبل كل الأطراف اليمنية، إن هي أرادت لبلادها العودة إلى الهدوء والاستقرار ومعالجة كل تعثرات الفترة الماضية.
المهم أن توقيع الرئيس علي عبدالله صالح وإبرام اتفاق آلية التنفيذ بين نائب الرئيس القائم بأعمال الرئيس وأحزاب المعارضة يؤذن بدخول مرحلة مهمة في تاريخ اليمن المعاصر، ولهذا فإن اليمنيين وكل محبي اليمن والدول الإقليمية المؤثرة والدول الكبرى المهمة تضع كل ثقلها الدولي وعلاقاتها بالأطراف اليمنية لإنجاح هذا التوجه الذي يهدف إلى انتشال اليمن من المخاطر الجمة التي كانت تحيط به وتهدد وجوده في ظل تشرذم وتشطير، بل وتجزؤ البلاد إلى كيانات متحاربة. ولهذا فإن التنفيذ الأمين والصادق والجدي هو الذي يفرض التزام جميع اليمنيين بالقيام به لإنقاذ وطنهم أولاً وإنقاذ شعبهم.