حدث هذا عندما كنت مشاركًا في إحدى الورش الفنية، ضمن كوكبة من الفنانين المخضرمين (أو من رواد) الحركة التشكيلية السعودية.. لم أكن أصغرهم على الإطلاق - وكنا نرسم ونتحدث، وفي آخر المساء نلتقي ونتبادل أطراف الحديث عن الحركة التشكيلية، هَمُّنا الأول، وإن لم تكن همَّنا الوحيد، كانت لقاءات المساء أشبه بصالون ثقافي فني، كان ثريًا بثراء السماء وبريق نجومها.
تقدم ذات مساء أحد رواد هذا الحراك للحديث ممتدحًا الواقعية في الفن، بل هي الفن على حد قوله، وما سوى ذلك شكل من أشكال الفن، مبحرًا بحديثة الذي لا يشف ظاهره عن باطنه، ولا يتجاوب أوله وآخره، واختتم حديثه بالمثل الشعبي لإخواننا المصريين «اللي تكسبه إلعبه والجمهور عاوز كدا»، وهو يعني به أن المسألة لديه مسألة مادية، وأن الفن شيء يُكتسب منه المال، مستبعدًا أو متناسيًا أن الفن هو فكر وثقافة ومبدأ..!!
هنا توقفت مليًا عند هذا الخلط والهذر لدى صاحبنا (الرائد)في الحراك التشكيلي، ما الذي أوصله إلى هذه السطحية المقيتة، وحَوَّلَه من تشكيلي إلى حرفي صاحب مهنة يرتزق منها، وهذه الحالة نموذج لحالات كثيرة قد نصادفها ولا نكتشف أنهم استبدلوا بالتشكيل الحرفة إلا بعد خراب مالطه؟!
لا بد من الإشارة إلى أن اللوحة التشكيلية لها قيمة مادية، وهذا المبدأ هو أساس للاستمرارية في العطاء لدى الفنان التشكيلي، ولكن ليس بهذا الشكل الذي ذهب به صاحبنا إلى أن تكون المادة «الفلوس» هي الغاية واللوحة مجرد وسيلة لغايته الرأسمالية، ولا يكون تابعًا للذائقة السطحية بمجتمعاتنا التي يعاني منها الفنان التشكيلي، ويحاول بكامل جوارحه الارتقاء بها، ولا يكون لاعبًا أساسيًا بتدنيها وسخفها، ويصبح مجرد منفذ وكأنه آلة تصوير (cape) للوحات متشابهة حتى في أدق التفاصيل.
ولا أنسى أن أُذكِّر كل قارئ ومهتم بالحراك التشكيلي بهذه المقولة «العامل يعمل بيديه، والصانع يعمل بيديه وعقله، والفنان يعمل بيديه وعقله وروحه».
هل يصبح التشكيلي حرفيًا؟!
هذا النموذج يجعلنا نتوقف عند حالته ونعيد حساباتنا، ونطرح التساؤل.. هل يستحق لقب رائد بالحركة التشكيلية السعودية أم أنه مجرد حرفي ليس إلا..؟!! ما هي معايير لقب رائد بالحركة التشكيلية؟ وكيف نقيِّمه..؟!
jalal1973@hotmail.com