لم تكن ولن تكون رسالة الإسلام، عمار الدنيا في منأى عن اتباع نهجها، والامتثال لقوانينها..
فالإسلام منهج دين يتقدم في أساسه مبدأ العمل بما أنزل الله تعالى، وللغاية التي خلق الكون من أجلها, إذ ما خلق الله أمرا عبثا، وليست الحياة لمتع الحياة على أي نوع كانت المتع بما فيها النجاح في العمار والصناعة والاكتشاف والاختراع والتوسع وزيادة المال وبناء العلاقات، وكل ما عليه ما تقوم من علاقات بين الأمم، وأنظمتها الوضعية التي تأخذ في كثير من بنودها من الإسلام الكثير فيما يتعلق بحقوق الإنسان وضوابط الجوار، وعلاقات التبادل، وواجبات الشراكة..ومنهج العمل..
لم يكن الإسلام مجرد اسم يتحلى به صفة كل من يعتنقه، ظنا بأنه قد أدى ما عليه من حقوق الانتماء إليه..
بل الإسلام التزام بمنهج، واتباع لسنة، وأخذ بقواعد، وإنفاذ لتشريع..قدر ما بوسع الاجتهاد في ذلك..
ولأنه هو هذا في رسالة الدعوة الدائمة، والعمل المستمر، والاتباع الذي لا يحيد، في ضوء كل جزيئة من إضاءاته، وتنويره،
وقدرة منهجه على تشكيل منظومة من السلوك والفكر والهمة والقدرة والإمكان لجعل حياة الإنسان من أجله وله..فالمتوقع أن يكون المسلم من قمة هرم المسؤولية إلى سفح الكادحين..على نهجه هذا..
ولأن المسلمين يفرطون لهاثا وراء دنيا فانية، وبشر لا يبقون... ونهايات لا يحسبون لها..
فإن مجريات حياة المسلمين فيما مضى من أيام، وتحديدا في عام هجري نودع اليوم آخر أيامه بهذه الكيفية والكمية من الخسارات، والخيبات، والفرقة، والفقد، والدمار، جاءت أول عوامله أن منهج الإسلام في بناء العلاقة بين المرء وذاته وبينه وبين الآخر لم تكن مبنية على الأمانة، والصدق، والخشية، والنهج القويم، لذا تحولت الأرض تحت أقدامهم لمقابر مظلمة، وبراكين حارقة، هدرت فيها كل المقدرات بما فيها خفقات القلوب، قلقا وألما وحنقا، وأسفا..
مهما كانت الآراء في بحث المسببات أو إقرارها، فإن الأساس الأول هو التفريط في اتباع منهج الله في الأرض..الذي أرساه الإسلام..
لم تكن أحداث أيام العام الذي يودع في الغد إلا حصادا للبعد في إتباع ما تمليه هوية الإسلام على المسلم الذي تقلد حكم ملايين لعقود من السنوات فلم يتبع نهجه لا في ولايته ولا في سلوكه، تكررت الصور في الساحات على الأرض حيث ارتفع سلاح وسقطت أرواح..
كثير سيظنون مبالغة في هذا القول، غير أن الحقيقة تقول إن كل إنسان مسلم على وجه الأرض مسؤول أمام من خلقه.. وبالتالي فإن من يتولى قيادة الشعوب المسلمة إن شاء لها أن تحيا حياة كريمة، وشاء لها النجاة كي ينجو من السؤال فما عليه إلا أن يبسط بين يديه منهج دينه القويم الذي ختمت به الرسالات، ووضعت به أسس الحياة، من لحظة النطفة إلى موعد الوفاة، من يدين تحضنانه وتنشئانه, إلى مدرسة تعلمه ومحكمة تضبطه، وراع يكون له الملاذ، وبيئة تعينه على الطاعة والولاء..
لا يكفي أن يشار للدول بإسلاميتها ما لم تكن مسلمة حقا، تبني أسسها وأنظمتها على منهجه،ولا تتنازل في علاقاتها اتباعه من علاقات الفرد بالفرد وبالجماعة وبالجوار والأقصى..
فغدا يوم جديد في سماء المسلمين يشرق بعامه الثالث والثلاثين بعد أربعة عشر قرنا لهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة لمدينة أول دولة إسلامية على الأرض, فليكن عاما مباركا علينا وعليهم، حيث يشهد إنسان بلا إله إلا الله محمد رسول الله...
الله اجعلها سنة خير لوطننا، ولجميع أوطان المسلمين..
اللهم احقن دماءهم وألف قلوبهم واجمعهم على الحق..
اللهم هيئهم لمرضاتك في كل ما يفعلون، واجعل نهجهم كتابك وسنة رسولك عليه الصلاة وآله وخلفائه وصحبه الكرام..
اللهم اهدهم لإتباع تعاليمه والمضاء على تشريعه والأخذ به في أحكامهم وأنظمتهم..
واسعد أطفال المسلمين صغارهم وكذلك شبابهم، ورجالهم ونساءهم..
اللهم أعنهم على استغلال مقدرات أوطانهم في سعادة الإنسان فيها..
وأرهم الحق حقا وارزقهم إتباعه....., والباطل باطلا وأرزقهم اجتنابه..
وأدم علينا نعمة الإيمان وقوه فينا.., وزدنا من توفيقك ما تقيل به تعثراتنا..
اللهم أنت الرب ونحن, وهم خلقك، أنعمتنا، وأنعمتهم بالإسلام فأدم علينا نعمة العمل به.., ووفقهم لذلك..
وانصر المسلمين على أنفسهم، وشياطينهم, وأعدائهم، وضعفهم،بك يارب..
واجعلها سنة مباركة علينا وعليهم..آمين.