تعرضت «مدارس براعم الوطن» في جدة لاختبارات السلامة الواقعية؛ فجاءت نتائجها كارثية ومدمية للقلوب. كوارث الحريق قد تحدث لأسباب مختلفة، ومن العسير منعها، إلا أن التعامل معها وفق معايير السلامة قد تنقذ الأرواح، بأمر الله.
الحديث عن المباني المدرسية يقودنا إلى التصاميم الهندسية، ووسائل السلامة، والنماذج التي عفا عليها الزمن، حتى أصبحنا مكبلين بتصايم مبان مدرسية بالية لا تتوافق مع احتياجات القرن الواحد والعشرين. أخطاء متكررة في التصميم، التنفيذ، الصيانة، الاستخدام، والرقابة تُحَوّل المباني المدرسية إلى بيئة خصبة لخلق الكوارث لا منعها. فالتصاميم الحالية لا تتوافق مع متطلبات العملية التعليمية، ولا توفر الحماية الكافية للطلاب والطالبات، وتفتقر إلى أدنى معايير السلامة. بعض المباني المدرسية صممت بأربعة أدوار، خالية من مخارج الطوارئ والسلالم الخارجية البديلة، على الرغم من وجود مساحة كافية لمد البناء على الأرض؛ ويبقى التنفيذ القضية الأزلية للمشروعات الحكومية، وليس المباني المدرسية فحسب!. أما الصيانه فهي مغيبة تماماً على الرغم من وجود شركات صيانة مُلتزمة بعقود طويلة مع الوزارة لإجراء الصيانة الدورية، والطارئة للمدارس. تعاقدات صورية قل أن تستفيد منها المدارس الحكومية لأسباب متعددة. استخدام المباني المدرسية جزء من المشكلة. فالمبنى المخصص لمدرسة واحدة قد تُلحق به مدارس أخرى بسبب ندرة المباني. في العام 2004 كتبت منتقداً عملية الدمج في المباني الحكومية لما تتسبب به من كوارث، و أخطار تعليمية، واجتماعية، وسلوكية، واستشهدت بالمدرسة الثانوية الأولى للبنات بالجبيل، ومدارس ضمت بين أسوارها أربع مدارس في سابقة ما زالت تتكرر في بعض المباني المدرسية.
ما أشبه الليلة بالبارحة، فالمدرسة الثانوية الأولى للبنات بالجبيل، وبدلاً من تصحيح وضعها، ألحقت بها المدرسة الابتدائية الحادية عشرة، بطريقة لم تُراع فيها شروط السلامة. تكدس الطالبات في المدرسة الثانوية الوحيدة في الجبيل كان في حاجة إلى افتتاح مدرسة أخرى لفك الاختناق، ولاستيعاب الأعداد المهولة من الطالبات؛ لا أن تُلحق بها مدرسة ابتدائية قد تتسبب في مخاطر كارثية. الأمر تكرر مع مبنى المدرسة المتوسطة الآولى المُتهالك حين أُلحقت به المدرسة الابتدائية الأولى في خطوة تتناقض مع أدنى معايير السلامة.
نائب وزيرة التربية والتعليم، نورة الفايز، قامت بزيارة للمدرسة المتوسطة الأولى بالجبيل، و»أبدت ارتياحها لما رأته من استقرار حال المدارس بالجبيل» بحسب ما نقلته الصحف!؛ هذا الارتياح قد يكون شهادة مضادة للأستاذة الفايز، وللوزارة في حال حدوث مكروه لطالبات المدرستين المدمجتين في مبنى متهالك. يُفترض أن يبعث مبنى المدرستين القلق في نفوس المسؤولين، لا (الارتياح) الذي يكشف عن سبب تعاظم أزمة المباني التعليمية ومشكلات الوزارة. تُوَفِّر مدينة الجبيل (البلد) نموذجاً متكاملاً لمشكلات المباني المدرسية، وأخطارها المحدقة بالطلاب والطالبات، وعيوبها الهندسية والتنفيذية والاستيعابية والرقابية؛ وتعكس صورة واقعية للإهمال الإداري المتسبب في تعاظم مشكلة المباني المدرسية.
المباني المدرسية هي أصل المشكلة، ووزارة التربية والتعليم في حاجة لاستحداث نماذج مدرسية جديدة مقتبسة من المجتمعات المتقدمة؛ وفك الاختناق بافتتاح مدارس جديدة، وتحقيق المنفعة الكلية من الأموال المنفقة، حماية لأرواح الطلاب والطالبات.
f.albuainain@hotmail.com