عندما تتابع تشبث الزعماء العرب بالسلطة، والمآلات التي انتهوا إليها، يؤلمك حقيقة أنهم مسلمون وعرب أقحاح، فهم لم يكتفوا بالبقاء بالسلطة، والعبث بمقدرات بلدانهم، بل إنهم قرروا توريثها لأبنائهم، وهي سنّة سنّها الهالك حافظ الأسد، الذي يبدو أنه جنى على ابنه جناية كبيرة ستثبتها الأيام قريباً. كان بإمكان أي منهم أن ينجو بنفسه بكرامة، ولو فعلوا لقيل عن مبارك إنه الرئيس السابق لا المخلوع، ولتذكره الناس على أنه الطيار البارع الذي شارك بشجاعة دفاعاً عن أرض مصر، وعن قضية العرب الأولى، ولما رأيناه يحاكم على سرير المستشفى وسط صراخ الناقمين وحزن المحبين. ولو فعل القذافي لتذكره الناس على أنه غريب الأطوار، الذي لم يحقق حلمه بتوحيد العالم العربي، بدلاً من ذاك الذي بدا طريداً بثياب متسخة، يعبث الجميع به كيفما شاؤوا وهو شريد ذليل، ثم يعرض جثمانه ليتفرج عليه الناس، ويدفن في مكان مجهول!
لا، لم يفعلوا، فقد أصروا على البقاء حتى النهاية المفجعة، والتي ستروى للأجيال على أنها من الأساطير.
أين هؤلاء الزعماء العرب من السيد لولا دي سيلفيا، الرئيس السابق للبرازيل (2002-2010)، والذي يعتبر أحد أبرز الزعماء في التاريخ الحديث، وبالتأكيد فإن قصته ستظل إحدى المعجزات التي لا تظهر إلا نادراً. وُلد هذا الفتى قبل ستة عقود في قرية فقيرة كل سكانها من الهنود الحمر، وهي موطنهم منذ آلاف السنين قبل أن يأتي المستعمرون البرتغاليون ويتزاوجوا معهم، وعاش هذا الطفل حياة الفقر الحقيقي، حيث إنه كان سابع ثمانية أطفال تركهم والده المدمن على الخمور والمخدرات، ليبقوا في عهدة والدته الاستثنائية، والتي لم تستسلم، بل كافحت لتربيتهم وغرس القيم النبيلة في نفوسهم، وهو ما تبين من مسيرة السيد دي سيلفيا. يذكر رئيس البرازيل السابق أنهم سكنوا في طفولتهم في غرفة صغيرة تقع خلف ناد ليلي، يسمعون ما بداخله من شتائم وحديث بذيء لمرتاديه من السكارى، ورغم ذلك فهو يؤكد أن والدته هي التي ألهمته المبادئ والقيم التي ساهمت في تفوقه الاستثنائي، فقد قال عنها بعد وفاتها إنها هي التي «علمتني كيف أمشي مرفوع الرأس، وكيف أحترم نفسي حتى يحترمني الآخرون».
هذا السياسي البارع لم يتورَّع في شبابه أن يعمل ماسحاً للأحذية، وعاملاً في محطة بنزين، وميكانيكياً للسيارات، وقد قطعت إصبعه خلال هذا العمل، وهو لا يزال يفخر بذلك كدلالة على عصاميته!، وقد ساهم في إحداث ثورة اقتصادية ستجعل البرازيل خامس اقتصاد عالمي قبل عام 2016 حسب خبراء الاقتصاد، كما أنه وقف نداً قوياً لكثير من القوى العالمية التي حاولت عرقلة مسيرته السياسية؛ إذ إنه يقف مع حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحق جميع حركات التحرر حول العالم. إن أكثر ما يفخر به هذا الرئيس هو القرض الضخم الذي قدمه لجمعية تعاونية تضم عاملي جمع القمامة، والذين يقول عنهم إنهم «رفاقي القدامى!». وعلى الرغم من أن شعبيته بلغت رقماً تاريخياً تجاوز الـ80 بالمائة، إلا أنه لم يطلب يوماً أن يتم تعديل الدستور ليتسنى له الاستمرار بالرئاسة لفترة ثالثة، مع أن هذا كان رغبة شعبية جامحة. إنه الرئيس الفقير الذي عمل بإخلاص، وبكى بصدق، وفقده رفاقه القدماء «الفقراء».
فاصلة: «الحس الإنساني لا دين له»..
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر alfarraj2@