ما نزال نفجع بين فترةٍ وأخرى بأخبار الحوادث المرورية للمعلمات اللاتي يتنقلن يومياً من بيوتهن إلى مدارس نائية ذهاباً وعودة، وهي حوادث مفجعة تتكرر بصورة عجيبة، حتى أصبحت لازمةً من لوازم هذا الصنف من معلماتنا الكريمات.
قبل أن نتساءل: لماذا يظل هذا الجرح ينزف بهذه الصورة، نقول: نحن نؤمن بأن قضاء الله على عبده بالموت نازل في وقته المحدد، لا محالة، ونرضى بقضاء الله وقدره الرضا كله، وإذا تحدثنا عن ضرورة البحث عن وسائل علاج لهذه الحالة، فإنما هو من باب بذل الأسباب، ونحن مأمورون بذلك شرعاً.
متابعتنا لأخبار حوادث المعلمات تؤكد أن معظمها يحدث في الصباح الباكر لأن المعلمات يخرجن من بيوتهن قبل الفجر حتى يدركن وقت الدوام في المدرسة التي تبعد مائة أو مائتين أو أكثر أو أقل من الكيلومترات، والسبب الذي يتكرر ذكره مع كل حادث السرعة، والنعاس الذي يصيب السائقين، والنعاس في تلك الفترة الصباحية - بعيد وقبيل طلوع الشمس - يفاجئ الإنسان بصورة تصعب مقاومتها، وما دام الأمر كذلك، فلماذا لا تؤخذ الحصص الخاصة بالمعلمات النائيات بحيث يدرسن من الحصة الثالثة فما بعدها، ويعفين من الحضور المبكر إلى المدرسة، وهذا يعالج مشكلة السرعة من جانب، والنعاس من جانب آخر، لأن سرعة السائق يصاحبها قلق نفسي، وحرص على إيصال المعلمات في الوقت المحدد، وهذا يضعف من التركيز، ويعرض السيارة لخطر يتوقع في أي لحظة، وقد ذكرت بعض المعلمات الناجيات من حوادث سابقة، أنهن جميعاً يستسلمن للنعاس في الطريق، فكيف بالسائق؟؟.
ربما تكون هنالك حلول أخرى، المهم في الأمر أن نفعل شيئاً حتى نقوم بما يجب علينا من بذل الأسباب. إن بعض السائقين تحدث عن شعور بالقلق الشديد يشعر به كل يوم، وإحساس بأنه يسير على جسر من الخطر، وهذا شعور سلبي خطير، قد يكون عاملاً من عوامل اضطراب السائق حينما يفاجأ بشيء في الطريق، وهنا يحسن أن تقدم بعض الدورات التدريبية في تركيز الذهن، وتقديم التوجيهات التي تنفع هذه الفئة من الناس، وهذا ممكن مهما كان مستوى السائق الثقافي والتعليمي.
إنها حوادث مؤلمة، نسأل الله أن يرحم من يموت فيها من المعلمات، والطالبات، كما نسأله أن يبصرنا بحلولٍ ناجعة لهذه المشكلة.
لقد عبر وجه طفلةٍ فقدت والدتها المعلمة، في صورة نشرتها إحدى الصحف عن عمق المشكلة وحجمها الكبير، لقد كان وجهاً باكياً، تتحدث ملامحه البريئة بعمق الألم الذي اعتصر قلبها الصغير حينما بلغها خبر وفاة والدتها في حادث سير بعد مغادرتها المنزل بساعتين.
دعوت لتلك الصغيرة ومازلت أدعو لها من أعماق قلبي، وأدعو الله أن يعصم بالصبر قلب كل مفجوع إنه سميع مجيب.
إشارة: للشمس في الأفق الفسيح مغارب
ولها وإن طال الظلام مشارق