يتساءل المراقبون للاحتجاجات والمظاهرات التي انتشرت في أكثر من ألف مدينة أوروبية وأمريكية وأسترالية ونيوزيلندية عمّا إذا كانت هذه بداية الخريف العالمي بعد الربيع العربي!! أم أنها مجرد فقاعات لغليان شعوب تلك الدول التي تدفع الضرائب من دخولها المتواضعة لتتخم بها جيوب المتنفذين من الساسة ورجال الأعمال ومدراء البنوك وتصرف على الحروب وتقدم كتبرعات لاستمالات سياسية ولأغراض لوجستية.
البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية وهي أكبر اقتصاد في العالم حتى تاريخه تجاوزت 10% من قواها العاملة حيث تحدثت الإحصاءات عن 27 مليون عاطل، واقتصادها يعيش حالة من الركود ومديونيتها بالتريولانات من الدولارات حيث بلغ مَن هم تحت خط الفقر من الأمريكان 45 مليون شخص، وعباقرتها من الاقتصاديين عاجزين عن الإتيان بحلول إنقاذية، وكونجرسها نواباً وشيوخاً مختلفون فيما بينهم حول خطط الحكومة لإنقاذ الاقتصاد وتشغيل العاطلين وزرع الخلايا المتجددة في جسد هذا الاقتصاد الذي أهدرت دمه الحكومات المتعاقبة في حروب استباقية وأصدرت لتغطية نفقاتها مليارات الدولارات دون غطاء.
هذا الوضع الاقتصادي المتردي في الولايات المتحدة الأمريكية وبسبب من النظام المصرفي الليبرالي العالمي المرتبط بهذا الاقتصاد، وجدنا دولاً كاليونان وإيطاليا وإسبانيا وإيرلندا مهددة بالإفلاس رغم تخليها عن عملاتها الوطنية لمصلحة «اليورو»، وذلك لأن اقتصادها المحلي من الهشاشة بحيث لا يتحمّل طويلاً فيروسات الإنفاق المتهور التي يستطيع اقتصاد كاقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية تحمّله ولو إلى حين.
لا أظن أن هناك سياسياً أو اقتصادياً مهما بلغ من البراعة والنطاسية أن يجيب على تساؤل المراقبين الذي بدأت به هذه المفارقة إجابة قاطعة، لكن الذي أعرفه أن المتظاهرين في أوروبا وأمريكا وأستراليا ونيوزيلندا هم من شعوب دول ديموقراطية حقيقية قادرون على إسقاط الحكومات والأحزاب التي تحكمهم من خلال صناديق الاقتراع، وبالتالي لا بد أن ينجم عمّا يفعلون ردود أفعال ونتائج إن لم تصلح أحوالهم الاقتصادية على المدى القصير، فعلى الأقل ستسهم في وقف النزيف المالي أو في أسوأ الحال التقليل منه.
صحيح أن الرئيس أوباما فشل في إقناع الكونجرس حتى الآن في الموافقة على اقتراح حكومته بفرض ضريبة «بافيت» على الأغنياء في بلاده لدعم ميزانيته والحد من الارتفاع المتسارع في مديونية الخزانة الأمريكية، لكن استمرار المظاهرات والاحتجاجات داخل أمريكا في سنة الانتخابات سيشكل ضغطاً على الحزبين المتنافسين لإقرار ما من شأنه إنقاذ الاقتصاد الأمريكي وتحسين الأمور الحياتية للمتظاهرين والصامتين حتى الآن من الشعب الأمريكي.
المفارقة هو ما لاحظته من مطالبة المتظاهرين في أوروبا بفرض ضريبة أسموها «ضريبة روبن هود» على الأغنياء لديهم، وروبن هود لمَن لا يعرفه، هو كما يُروى عن تاريخه مواطن بريطاني احترف السرقة من الأغنياء ويقوم بتوزيع مسروقاته على الفقراء في زمن غابر لم يختلط فيه الاقتصاد بالسياسة، ولم يمتلك فيه الساسة المصارف ويسيطرون من خلالها على الاقتصاد.
ترى، هل إذا نجح المتظاهرون في فرض هاتين الضريبتين أو أي منهما على أغنياء الديموقراطية، سوف تنتهي الليبرالية المصرفية الملومة بالتسبب في معاناة الملايين من شعوب تلك الدول؟
الجواب هو «لست أدري» مستأذناً الشاعر إيليا أبو ماضي باستعارة عنوان أحد قصائده، ولعلّ أحد القراء الكرام يجيب بـ «أنا أدري» كما فعل أحدهم مع إيليا، أو تنجح حملة «احتلوا وول ستريت» التي انتشرت في أكثر من ولاية أمريكية، وتظاهرت ونصبت الخيام معتصمة أمام وزارة الخزانة الأمريكية والبيت الأبيض مما دعا الحكومة الأمريكية لتفريقهم بالقوة واعتقال بعضهم وكأنهم رعايا دول قمعية.
info@almullalaw.com