كتبت في المقال السابق عن التطور الحاصل في التخصصات الصحية، ووعدت بالتطرق لوضعها في المملكة، وهو وضع ليس مرضٍ، ويبعث أحياناً على الإحباط، بسبب التعامل الذي تحظى به تلك التخصصات ضمن منظومتنا الصحية، التي يسيطر عليها الفكر الطبي التقليدي ويسيطر عليها نظرة إدارية غير مدركة لأهمية الارتقاء بتلك التخصصات. فعلى المستوى التعليمي لا زالت برامج العلوم الصحية محصورة في عدد قليل وتحظى بالاهتمام الأقل في جامعاتنا وغير قادرة على تجاوز النمطية في نوعيتها ومستوياتها وأهميتها.
نخشى تجريب أنماط جديدة، وحين تحاول أية مؤسسة تعليمية الخروج على النمط السائد تواجه بعراقيل وزارة الخدمة المدنية وهيئة التخصصات الصحية ولجان المعادلة بوزارة التعليم العالي. تلك الأجهزة يسيطر عليها فكر بيروقراطي لا يقيس المخرجات التعليمية سوى بكم السنين ووفق الأنماط التقليدية، بدليل عدم قدرة هيئة التخصصات الصحية والتعليم العالي على تصنيف شهادة دكتور علوم طبية! جل برامج العلوم الطبية تفتقد معايير التدريب السريري المتميز لطلابها والجامعات وهيئة التخصصات الصحية تبارك ذلك التوجه حين لا تقدر التوجهات التعليمية الحديثة في تلك التخصصات!
طبعاً هيئة التخصصات الصحية التي يفترض أن تكون حارس الجودة في التخصصات الصحية أساءت للتخصصات الصحية بمستويات معاهدها التي تشرف عليها وبعدم تبنيها برامج زمالات واختصاص في التخصصات الصحية، وبعدم إتاحة إنشاء مجالس علمية متخصصة للتخصصات الصحية وحشر أكثر من خمسين تخصصا في مجلس فرعي واحد، متواضع،.. الخ.
أما على المستوى المهني فلا زالت الأنظمة والقوانين تسن بشكل مجحف وغير عادل تجاه تلك التخصصات والعاملين فيها، بدليل منح منسوبيها أقل البدلات مقارنة بالتخصصات الصحية الأخرى (يحصل خريج العلوم الطبية على بدل 20% من الراتب مقارنة بالصيدلي الذي يحصل على 50% والطبيب الذي يحصل على 80% بدل تفرغ)، بل أنه تم مؤخراً تثبيت ذلك البدل من راتب الطبيب في الحصول على البدلات بينما حرم من ذلك منسوبو التخصصات الصحية الفنية.
وفي التدريب والتأهيل تضمن الأنظمة حصول الطبيب على دورات تدريبية وحضور المؤتمرات بينما يحرم من ذلك المتخصصين في العلوم الصحية الأخرى، وكأنهم ليسوا بحاجة إلى تطوير وعلومهم تتطور ويستحدث فيها الجديد كل يوم، مثلها مثل الطب.
دائماً بيئة العمل والمحفزات هي الأدنى للعاملين في التخصصات الصحية الفنية، سواء في تهيئة أماكن عملهم أو في تعرضهم للعدوى والمجهود العملي الأكبر وتعاملهم المباشر مع المرضى وتعرضهم للإصابات المهنية وغير ذلك.
في المجالس التنفيذية العليا كمجالس وزارة الصحة ومجلس الخدمات الصحية وهيئة التخصصات الصحية، لا يوجد تمثيل للمنتمين للتخصصات الصحية فيها، رغم أن تلك التخصصات يمثل المنتمين لها حوالي 60% من العاملين في القطاع الصحي. بل أن بعض المستشفيات لازالت تضع تلك التخصصات تحت إدارات التشغيل المعنية بالصيانة والأمور الإدارية وكأنها لا تعترف بها كتخصصات طبية وصحية يجب أن يكون لها المرجعية الإدارية الطبية والصحية، أو كأنها تخشى اختلاط منسوبي تلك التخصصات بالتخصصات الطبية وحصولهم على نفس المميزات والحوافز التي يحصل عليها الفريق الطبي.
لقد آن الأوان في النظر لنظامنا الصحي كمنظومة يعمل بها فريق متكامل يستحق جميع أفراده التقدير والتطوير وليس مجرد فرد (سوبر أو سيد) يخدمه البقية وكأنهم عمال ليس لهم نفس الحقوق والمزايا والامتيازات، وليس لهم الحق في سماع صوتهم أو المشاركة في صنع القرار الصحي أو غير ذلك من أمور تأخذ في الاعتبار حجمهم وقيمتهم الفعلية في المنظومة الصحية.
malkhazim@hotmail.com