أخي د. خالد: خطبني ابن عمي وهو شاب لا يزال يدرس، وهو رائع ذو عقل ودين وخلق.. المشكلة أن زوجي يريد أن نسكن في الدور العلوي في منزل والده وعلاقتي في الجملة مع والدته وأخواته جيدة إلا أنني أحسست بشيء من الغيرة من إحدى أخواته، كما أن بعض أخواته يكذبون، وبصراحة أنا أرغب في الاستقلال في سكن خاص لمزيد من الحرية وعدم الارتباط بأهله وبعدا عن المشكلات وأنا خائفة جدا من المستقبل، فهل أضغط عليه وأصر على طلبي أم ماذا افعل؟
ولك سائلتي الفاضلة الرد:
أختي الكريمة إن الحياة أطوار ومراحل ولكل أمر يطرأ أو حال تتجدد لابد من صعوبات وتحديات، بل إن الصعوبات والأزمات جزء من طبيعة هذه الحياة وهي لا تنفك أبدا عن البشر، حيث ملازمتها له وهي لا توفر الغني ولا الفقير ولا الذكر ولا الأنثى ولا تظني أن الحياة ستفرش لك دروبك بالحرير وتعطر أجواءك بالعبير بعد الزواج وأنا هنا لست ارسم لك صورة مشوهة أبداً، بل أقول: إن الأطوار الجديدة ومنها الزواج فيها من المتع والأنس الكثير لكن هذا يجب أن لا يعمينا عن التصور الكامل للأمور... وحديثي هنا تنبيها لك على أهمية استشراف المستقبل ومجابهة تلك التحديات بروح قوية وخطط منظمة.
سأبدأ بالحديث عن موضوع كذب أهل زوجك، فلا أظن أن الأمر كما تتصورين فلعل موقفا أو موقفين حدثا ولا يعني أن هذا ديدنهم ولا أظنهم بهذه الدرجة من السوء، ولو أن شخصاً تابعك أختي الكريمة في كلامك وتصرفاتك لرصد الكثير من التجاوزات والأخطاء وهذا لا ينطبق عليك وحدك، بل على جلّ البشر والمطلوب منك أن تكوني أنت صادقة ابتداء وأخشى أن تكون حالتك النفسية جعلتك تجنحين لإلصاق تلك التهمة بهم بحثا عن معزز ومقوٍّ لفكرة عدم السكن بقربهم!
أختي الكريمة إن إصرارك على عدم السكن عند أهله والرغبة في السكن في الرياض عند اهلك وأخواتك هو تعبير عن عادة تفكير خاطئة وأسلوب لربما يفسر على انه أنانية وحب للذات غير محبب، بل ويصنع فجوات بينك ومن تتعاملين معه وهو ما يسمى أسلوب (أكسب ويخسر) فأنت هنا فقط تبحثين عن مصلحتك الشخصية وما يتوافق مع مزاجك ويشبع رغباتك..
والزوج فكر بأسلوب (اكسب وتكسب زوجتي) واهتدى لحل وسط وهو الاستقلال في السكن وفي الوقت نفسه بالقرب من والدته على الرغم من أن السكن مع أهله قد يوفر عليه الكثير من المصاريف، ومع هذا آثر الاستقلال وهذا أمر يحتاج منك إلى تقدير وثناء واحترام فلا تنظري لمصلحتك وتؤثري راحتك دون مصلحة زوجك وراحتك فهذا مسمار في نعش العلاقة بينكما.
أختي الكريمة إن من أجل النعم وأعظم المنح أن ترزق الفتاة بزوج صالح يكرمها ويحسن إليها ويعمل على إسعادها... وأراك قد رزقت بزوج مظنة تحقيق كل هذا.. وأرى قلبك قد مال إليه وتآلفت روحك مع روحه فضلا من الله وأظنك لو ذهبت مع هذا الزوج لآخر الدنيا فليس بكثير عليه خصوصا وقد ملك تلك المواصفات الرائعة!
فالمرأة متى تزوجت فمن الطبيعي السير مع الزوج حسب ظروفه... فزوجك الآن طالب ولربما كانت ظروفه لاتسمح له بالاستقلال في منزل ولعله يرغب في القرب من والدته وأخواته وهذا أمر مشروع له ويحسب له وهو مؤشر على علو أخلاقه وطيب معدنه وبره وإحسانه لأهله... بالنسبة لموضوع أخته وغيرتها منك وإحساسها بأنك ستأخذين أخاهم منهم .. فيبدو أن الأمر اقرب للوهم منه للواقع، ولو فرضنا صحة الأمر فبتعاملك الطيب وأخلاقك وتفهم نفسيات البشر بحسب طبيعتهم تستطيعين ردم الفجوة بينكما فهناك شعور يتملك الكثير من الأمهات والأخوات عند زواج أبنائهن أو إخوانهن انه سيذهب للغير وستأتي الزوجة وتأخذه منهن بلا جهد ولا تعب وهي مشاعر طارئة سرعان ما تذوب، وعليك دور في إذابتها عن طريق حسن العلاقة مع أهل زوجك وحثه على برهم وحسن صلتهم.
كما أوصيك وفقك الله بالاتزان في علاقتك مع أهله وعدم الإفراط في الزيارات وكثرة الاحتكاك فهي مجلبة الخلافات ومظنة الخصومة، حددي لك وقتين خلال الأسبوع مثلاً لزيارتهم ووقت لزيارتك مثلاً واحرصي أن تحسني لوالدة زوجك وكذلك أخواته.. ابنتي الكريمة الحياة الزوجية ليست خروجا وطلوعا ونزهات ومطاعم، فلا تعلقي حياتك وسعادتك بتلك الأمور وأنا لا أقلل منها ولكن.. ومن غير المعقول أن تضغطي عليه وتسعين لإبعاده عن أهله (وأنا أشكك في أمر مطاوعته لك) ودون مراعاة لأحواله المادية لأجل أن تخرجي وتتنزهي!!..
لفت نظري قولك (أنا خائفة من المستقبل) أختي المستقبل بيد رب العالمين سبحانه ولكنك تسهمين في صناعته ولا شك بالعمل وحسن التخطيط والصبر، يقول أحد الحكماء: (إن أفضل طريقه لبناء المستقبل هي أن تعمل لأجله) وأنصحك أن لا تثقلي يومك بهموم غدك فقد لا تجيء هموم الغد وتكوني حرمت سرور اليوم!
لذا عليك أن تضعي السعادة هدفك واعملي من أجله وثقي أنك أقوى من الظروف واصلب من التحديات ونصيحتي لك أن تتوكلي على الله وتستعجلي الزواج، فالرجل الصالح عملة نادرة وفقك الله ورزقك بالنية، وفقك ربي وسددك.
شعاع:
سوف ترتقي في حياتك بحجم المسؤولية التي تكون مستعدا لتحملها.