ثمة صفات وسمات مشتركة وثابتة بين الخلق، وكل من اكتسب صبغة الإنسانية له نصيب منها على تفاوت نسبي بين البشر، ولعل هذا هو المتغيّر الذي عنيناه. صفات أقرها (القرآن الكريم) في أكثر من موضع، وأومأت إليها (السنة النبوية)، هذه الصفات هي (الجهل، والظلم، والضعف، والاستعجال)، قال جلّ شأن: خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ . وقال: ... وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً . وفي موضع آخر وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً ، هذه السمات ربما لو تفوّه بها إنسان أمام آخر في موقف ما، لوجد منه البرم والضيق، والانفعال والتأزم، مع أنها صفات تقاسمها الأنبياء - على عصمتهم - مع سائر البشر.
المتأمل للنفس البشرية، والمتدبر لأحوالها، والمحلل لسلوكها في مواقف عدة، وفي مراحل عمرية مختلفة هو القادر على كشف هذه الصفات، متى تبدو؟ وبماذا تبدو؟، وهو القادر دون غيره على إسقاطها ـ زيادة في الإقناع - على نماذج من البشر، من خلال استجلاء مواقفهم.
من المؤكد أنك ستجد ذلك في قصص الرسل والأنبياء مع أقوامهم، في قصصهم حين ابتلائهم وامتحانهم من خالقهم، ستجد ذلك في مواقف الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، في المحطات الكبرى من حياة قادتهم، ستجد الكثير منهم هو من يشخص تلك الصفة بنفسه، ويعمد إلى مراجعة ذاته، ومحاسبة ضميره، وقد لا يجد كبير حرج في إفشائها وإذاعتها أمام الملأ، طالما كانت من الصفات أو الأمور التي لم يرد نهي من الجهر بها أمام الملأ.
أدنى فاحص للسلوك البشري، سيبدو له فيه شيء من الاضطراب، والحركة المفرطة أحيانا، والتذبذب، والسأم، والسرعة، والملل، وعدم الصبر، سيبدو له ظلم الإنسان لنفسه، وتحميلها ما لا تطيق أحيانا من شؤون الحياة، فضلا عن ظلمه للآخرين، وهو أشدّ وأكثر وقعا،وأبعد أثرا. سيبدو جهله، وضيق أفقه أمام علم الله وإحاطته التي اتسعت لكل شيء في الوجود، وسيخرج من هذا إلى الإقرار بالضعف والهوان، وإن بدا عند نفسه، أو عند الآخرين خلاق تلك الصورة.
لحكمة إلهية أرادها الخالق للبشرية ركّبت فيهم هذه النقائص، مهما كانت منزلتهم، ومهما كانت درجة علمهم، ولحكمة إلهية دقّ فهمها واستيعابها، أو استحضارها عند البشر، وهم يتعاملون مع غيرهم، ويستشعرون الكمال - عن جهل - وهم لا يعلمون.
كم نحن بحاجة - نحن البشر - إلى الرجوع إلى تفسير (القرآن الكريم)، لنستظهر مظاهر جهلنا المطبق، وظواهر ظلمنا لأنفسنا ولغيرنا، آمارات ضعفنا أمام النزوات والشهوات، والكوارث والأزمات.
مع هذا كله، لا يخلو أيّ مجتمع من وجود فئات مستنيرة بنور الله تعي هذه السمات عند البشر، وتتعامل معهم على ضوئها، وهم يتصدون لمشكلاتهم وقضاياهم في الحياة، ومع الناس.
dr_alawees@hotmail.com