لا أحب أن أكتب عن الرياضة لأنها تشبه عش الدبابير، يصعب أن تخرج منها دون أن تلاحقك اللسعات واللكمات أيضًا، لكنني أجدني اليوم مضطرًا لذلك، لتماس الرياضة مع السياسة من جهة، ومع الظروف الاجتماعية من جهة أخرى.
فقد كنت أقول دائمًا، إن الصحافة الرياضة، ومنذ زمن بعيد، هي القادرة على زحزحة الهامش الرقابي، ولا أعرف إن كانت أساسًا تُمنح هذا الهامش الواسع بحجة أنها رياضة ومجرد لعب كرة، خلافًا للثقافة التي تنير العقل لا القدم، أم أنها تنتزع هذا الهامش بجرأة كتّابها وسخطهم مما يحدث أحيانًا.
المهم، أنني تابعت خلال هذا الأسبوع حراكًا لدى جماهير النصر، لمطالبة إدارة ناديهم بالرحيل، أو التهديد بهجر الملاعب والنصر إلى الأبد، وإطلاق حملة تحت شعار «يا ترحل يا نرحل»، تلك التي بدأت من الإنترنت، وغامر البعض بالاعتصام أمام بوابة النادي، حتى شعرت أنهم يحتاجون ميدان تحرير (رياضي) كما لدى شباب مصر، وجعلت أتخيّل أنهم دخلوا النادي واعتصموا في ملعب النادي، ونشروا خيامهم الصغيرة، وعلّقوا اللافتات المتنوّعة حول المضمار، واستغلوا الساعة ببث أفكارهم ومطالبهم و...و... إلخ.
ثم قلت لنفسي، يا ساتر، كل هذا لأجل كرة قدم، وقد تقولون مثلي، لماذا كل ذلك لأجل هذه المستديرة التي يركض خلفها رجال بملابس ملوّنة، لماذا كل ذلك، لكن من يجلس مع أحد هؤلاء الذين يأتون من الأحساء أو شقراء أو بريدة فقط لمتابعة مران الفريق، أو الوقوف أمام البوابة احتجاجًا على الإدارة، يدرك أن هؤلاء يشعرون بأن حقوقهم مهدورة، وأنهم عاشقون لفريقهم، كما يعشق شباب ميدان التحرير وطنهم، ويشعرون بأن لهم حقاً في تسيير أمور الفريق وقراراته كما يشعر أيضًا شباب الميدان تجاه بلدهم.
ها هم قد انقلبوا على الإدارة القديمة، وناصروا إدارتهم الجديدة، وصفقوا لها، حتى منحوا أميرهم لقب «كحيلان» وتغنّوا به، كقائد ينقذهم في الزمن الصعب، تمامًا كشباب الميدان الذين احتفلوا بالمجلس العسكري، ثم انقلبوا عليه بعدما أحسوا بالخديعة، فعادوا يطالبون بحكومة مدنية مؤقتة، حتى تتم الانتخابات الرئاسية.
لا يختلف كثيرًا رئيس الدولة عن رئيس النادي، فكلاهما مراقبان من قبل الشعب أو الجمهور، وكلاهما عرضة للمحاسبة، بعد أن منحتهم هذه الجماهير السلطة والمسؤولية.
فهنا نصر، وهناك مصر، يجمعهما الشغف والحب، بشعار ووطن، ويفرق بينهما حرف واحد، هنا نون وهناك ميم، إن قرأتهما بهذا الترتيب، فتعني: نم، وكأنها رسالة لمشجع هذا الفريق المغلوب على أمره، وإن قرأتهما بالترتيب الآخر، فتعني: من؟ وكأنها مطلع جملة شهيرة، ترددت في زمن الثورات العربية: من أنتم؟
لكن السؤال الأهم، هو هل بالفعل انتقلت عدوى السياسة إلى الرياضة، وهل تملك الجماهير الضغط على رئيس نادٍ كي يتنحّى عن منصبه؟