المراقب لتحركات السوق المالي السعودي لا بد أن يضع ألف علامة استفهام حول أداء القطاعات والشركات بدون استثناء، ففي الوقت الذي انحصرت التعاملات خلال ثلاث سنوات أو أكثر قليلاً ضمن أقل من ثلاثة آلاف نقطة بين أدنى نقطة عند 4086 وأعلاها عند 6929 نقطة إلا أن آخر عامين لم تتجاوز حجم التحركات أكثر من 1500 نقطة بين أدناها وأعلاها ولكن السوق بقي يسير ضمن منطقة واحدة تعلو ستة آلاف نقطة بقليل لفترات طويلة جدًا والسبب يعود إلى خمول وانحسار لتحركات القطاعات القيادية المتمثلة بالبنوك والبتروكيماويات ويليهما الاتصالات وهذه القطاعات الثلاثة تمثل ما يقارب 73 بالمائة من السوق وبالتالي فإن استقرارها والسيطرة على حركتها يعني عدم وصول السوق لأي منطقة جديدة إلا من خلال نشاط تلك القطاعات وهذا الأمر ليس بسر، فالجميع يعلمه لكنه موطن الخلل الذي يعاني السوق منه ولم يتم إلى الآن التأثير به رغم كل الإصلاحات التي قامت بها هيئة السوق عبر خمس سنوات وإذا كانت الهيئة قد ركزت على إدراج عشرات الشركات وهيكلة القطاعات لتصبح خمسة عشر قطاعًا بدل ثمانية سابقًا إلا أن قوة تأثير الشركات القيادية تعززت أكثر رغم وجود شركات كبيرة من حيث الحجم بالسوق حاليًا أكثر من الفترة السابقة لكن جلَّها بقي ضمن نفس القطاعات التي تحتوي الشركات العملاقة بالسوق صاحبة التأثير الأساسي فيه، فثبات سابك والراجحي ومن خلفهما بعض البنوك المؤثرة شل قدرة السوق على تحقيق حرية الحركة وهمشه عن أعين السيولة بشكل عام وأصبحت السيولة المتحركة بالسوق تتمركز بقطاعات مضاربية لفترات طويلة حققت بعض الشركات ارتفاعات خلالها فاقت عشرة أضعاف ونعني هنا شركات التأمين بشكل رئيس، فهذه الشركات ذات رأس المال الصغير أصبحت جنة السيولة والسوق الحقيقي للمضاربين، فبقاء السوق بهذه الهيكيلية سيبقى على عنصر المضاربة الجنونية كنمط أساسي في طبيعة السوق المالي الأكبر عربيًا وسيحافظ على الصورة النمطية السلبية لطبيعة التعاملات بأنها تركز على العائد الرأسمالي فقط ومن خلال تحركات عشوائية بشركات صغيرة تحقق أهدافها بشكل سريع جدًا ويتم التخلي عنها للذهاب إلى غيرها خصوصًا أن عدد تلك الشركات أصبح كبيرًا مما سمح للمضاربين بالتنقل بينها دون الالتفات إلى الفرص الاستثمارية الكبيرة في وقت انخفضت سيولة السوق فيه بشكل كبير جدًا مما أضعف التأثير على الشركات والقطاعات ذات العوائد ولم تتحركيه بشكل يعبر عن نمو وتطور أرباحها وأعمالها كما يجب وبما أن صناع أو كبار المستثمرين بتلك القطاعات يجدون أن لا منافس لهم على تداول تلك الشركات الكبرى فإن التدخل بحركتها يعطيهم فرصة خفض التكلفة عليهم ضمن نطاق تحرك ضيق عليها ويصبح هامش المخاطرة ضعيفًا جدًا ويسمح بتملك كميات كبيرة فيها دون أي زيادة في الأسعار ضمن منطقة تمثل عائدًا ومكررًا ربحيًا منخفضًا بشكل عام، بينما أسهم ذلك بحرية حركة للمضاربين بالشركات والقطاعات الصغيرة دون أي ضغط حقيقي على توجيه السيولة نحو القطاعات المهمة والرئيسة بآن واحد وبالرغم من أن السوق المالي مازال واحدًا يحوي الغث والسمين إلا أنه في حقيقة الأمر سوقان بلا منازع إذا ما درسنا حركة السيولة وتوجهاتها والسلبية بالأمر أن الشركات الكبرى أصبحت تخدم بنطاق حركتها الضيق تلك الشركات الصغيرة وليس العكس بأن يكون لحالة نشاط السوق الإيجابية التي يجب أن تقودها القطاعات والشركات الكبرى انعكاس على بقية الشركات الصغيرة فأصبحت بروج واكسا والشرقية الزراعية والأسماك وغيرها هي قائد السوق بينما تحوَّلت سابك والعديد من البنوك معها إلى عامل مساند بتوسيع قاعدة المضاربات وأن الحل الحقيقي يتمثل في إنشاء سوق آخر تنقل له تلك الشركات الصغيرة ويكون بضوابط جديدة لا تسمح بتركز السيولة فيه وتقلل من عامل المخاطرة بتعاملات السوق كما يلغي ذلك تأثير ضعف الشفافية الموجود بالسوق حاليًا، فالتحركات القائمة للشركات يفترض أن يكون هناك أخبار تدعمها وهذا غير موجود، بل إن بعض الأخبار المهمة تسرب لبعض المضاربين أو المتعاملين دون غيرهم وترتفع الأسعار كثيرًا قبل أن يعرف السوق سبب الارتفاع وأحيانًا تكون أخبارًا مهمة وأحيانًا تكون أخبارًا ثانوية ولعل خير مثال على الاحتمال بتسرب الأخبار ما رأيناه بشركة التعمير البعيدة عن المضاربات بعد أن حقق السهم ارتفاعات فاقت سبعين بالمائة خلال أقل من ثلاثة أشهر تعلن الشركة عن خبر فوزها بقضية تسمح لها بالتصرف بأحد عقاراتها المملوكة لها بمدينة الرياض وقد تضمن الخبر أن الشركة استلمت الخطاب من محاميها يوم الاثنين الماضي لكن حركة السهم خلال الأسبوعين الماضيين وأحجام التداول توحي بأن الخبر كان معلومًا للبعض بالسوق وأن ما تم الإعلان عنه ليس أكثر من إجراءات نظامية بينما المعرفة بأن الحكم صدر أو سيصدر لصالح الشركة كان معلومًا منذ فترة ومن الأولى هنا أن نترك الأمر لمقاهيئة السوق المالية للتحقق من ذلك عبر معرفة تاريخ صدور الحكم لصالح الشركة وليس لوقت استلام الشركة لخطاب مؤكد لكسبها للقضية، بل وهل الشركة أعلنت سابقًا بأن هناك قضية ضدها بالأصل أي قبل سبع سنوات والتعمير ليس إلا حالة من الحالات التي تحدث بالسوق المالي، فهناك بالتأكيد حالات كثيرة حصلت سابقًا السوق المالي السعودي يحمل الكثير من الفرص الاستثمارية وبحاجة أكبر من أي وقت مضى للنظر في عوامل توجهات السيولة والتأثير عليها بمنع العودة للانزلاق أكثر نحو توسيع رقعة المضاربة والاستفادة من الحالة الاقتصادية وأوضاع الشركات المهمة وذات العوائد لجذب السيولة باتجاهات صحيحة وتقسيم السوق يبدو حاليًا مناسبًا من أي وقت مضى لما لذلك من انعكاس إيجابي لحركة الأموال المتدفقة للسوق خصوصًا إذا كان سيفتح أمام المستثمر الأجنبي خلال الفترة القادمة فالشفافية المنقوصة حاليًا ليست فقط منصبة على الشركات النشطة بحركتها، بل حتى على تلك الخاملة أو المهمشة فلكل حالة أسباب ودوافع وأخبار تؤثر فيها لا بد من الإفصاح عنها من قبل الشركات أو تقارير المؤسسات المالية المرخصة حتى تضبط التحركات أكثر سواء بتوجهات السيولة أو بمديريها والقضاء على ظاهرة تشغيل تلك الأموال من غير المرخصين تطبيقًا لأنظمة الهيئة وتحذيرها المستمر من مخالفة تلك اللوائح.