قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
تابعت الحادث المأسوي الذي نشرته «الجزيرة» على صفحاتها والذي تعرضت له طالبات جامعة حائل، فبالأمس القريب ذبلت الورود ويبس الغصن الرطيب وانكسر وجفت الينابيع واقفرّت الأرض وتساقطت وريقات الشجر، وتوقف الفرح وخنقت السعادة واختفى كل شيء جميل في غمضة عين.. وماتت البراءة في أسمى معانيها وقتلت الطهارة في أوج نضجها وزهرة شبابها، وتحول البياض الناصح إلى أسود قاتم اكتسى به الكون دماء على الأسفلت وأشلاء مبعثرة.. ورائحة الموت في كل مكان.. منظر مهيب وفاجعة أليمة ومصاب جلل وكارثة عظيمة ومصيبة يشيب لها الحليم، ويتفطر لها القلب، وتبيض العيون من البكاء عليها... يا الله ما أعظمك وما أكرمك وما أحلمك، لا نعلم حكمتك العظيمة ولا قدرك الكائن، سبحانك وبحمدك آمنا بك ورضينا بما كتبت لنا ورضخنا لما قدرته لنا.. أنت من أعطيت وأنت من أخذت فلا راد لقضائك وقدرك، مصيبة اهتزت لها القلوب، الموت هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة الفانية التي لا تقبل القسمة على اثنين ولا تقبل الجدال، وليس لها أي تأويل أو تفسير أو اجتهاد، فالموت لا يمكن أن يفسر إلا بأنه الموت فقط ولا يمكن للإنسان إلا أن يرضى بهذه الحقيقة المرة ويحتسب أجرها عند خالقه الله، لو أننا نستطيع أن نفتدي أبناءنا وفلذات أكبادنا بأن نأخذ الموت بدلا عنهم والله لفعلنا، الضنى غال فهو قطعة منا تمشي على الأرض ولكن من المستحيل أن يأخذ أحد مكان أحد في هذه الحقيقة المرة ولا أن يفتدي أحد أحداً بعمره فلكل أجل كتاب وكل يموت بمفرده، إذا حانت ساعته صغيراً كان أو كبيراً، جنيناً أو مولوداً رضيعاً، فقيراً غنياً، وزيراً أميراً ملكاً، فالموت لا يفرق بين هذا وذاك، ولا يجامل أحداً على حساب الآخر، يا مولاي أغثنا برحمتك واربط على قلوبنا وصبرنا على هذا الألم الذي يعتصر قلوبنا، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو كان الفقر رجلاً لقتلته ونرفع ما يصيبنا منه وخصوصا في فلذات أكبادنا)، لكم الله يا أسر الشهيدات والشهداء بإذن الله أجركم الله في مصيبتكم وأخلفكم خيراً منها، وألهمكم الصبر والسلوان، والله لو نستطيع أن نفتدي بناتكم بأرواحنا لفعلنا ولكنه قدر الله وما شاء فعل ولا راد لقضائه، تضرعوا بالصبر وبإيمانكم العميق بالقضاء والقدر واحتسبوهن عند المولى سبحانه وتعالى، واعلموا بأنه الله جل شأنه كما أخذ منكم فسيعطيكم وأن الصبر عند الصدمة الأولى، نحن حزينين لأننا لا نستطيع أن نقدم لكميئا سوى المشاركة الوجدانية والقلبية والدعاء لكم بأن يمن الله عليكم بسكينته وطمأنينته وأن يلهمكم صبراً جميلاً والله المستعان، قلوبنا معكم والله وعيوننا ذرفت الدموع لمصابكم الجلل، يا أمهات الشهيدات تضرعوا بالصلاة والدعاء واعلمن بأن هذا امتحان من العلي القدير، ليرى إيمانكن وصبركن وعظمتكن كأمهات صابرات محتسبات، واعلمن بإذن الله بأن تلك الزهور سيكن لكن شفيعات يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، واعلمن بأن العوض خير كثير في قادم الأيام، افتخرن بأنكن أمهات الشهيدات بإذن الله، فأنت الآن أم الشهيدة الصابرة المحتسبة وهنيئا لك بهذا اللقب الذي يعتبر وساماً على صدوركن، لا تهن ولا تحزن فأنتن الأعلون بإذن الله وهنيئا للبيت الذي به شهيد في سبيل الله.
توخى حمام الموت أوسط صبيتي
فلله كيف اختار واسطة العقد
على حين شمت الخير من لمحاته
وأنست من أفعاله آية الرشد
طواه الردى عني فأضحى مزاره
بعيداً على قرب قريبا على بعد
ألح عليه النزف حتى أحاله
إلى صفرة الجادي من حمرة الورد
عجبت بقلبي كيف لم ينفطر له
ولو أنه أقسى من الحجر الصلد
ولكن ربي شاء غير مشيئتي
وللرب إمضاء المشيئة لا العبد
وأولادنا مثل الجوارح أيها
فقدناه كان الفاجع البين الفقد
عبدالرحمن عقيل حمود المساوي - أخصائي اجتماعي - الرياض