اتّصل به عبر الهاتف المتنقل يسأله: أين أنت يا رجل، فقد كنت للتو في حيكم وأحببت أن أعرّج عليك للسلام والزيارة؟ أجابه: إنني الآن في السوق برفقة زوجتي وابنتي لجلب بعض المستلزمات. ضحك الأول وهو يقول: في السوق مع الحريم، وهل أنت متلثم أم بدون لثام؟! وأضاف أنا لو تعطيني زوجتي ضعف وزني ذهباً لما رافقتها لأي سوق، معاذ الله أن أكون من الجاهلين. هذا جزء من حوار تم بين رجلين متزوجين، الأول ودود لطيف واقعي، والآخر يعيش في أجواء نفسية متقلبة ومزاج عكر ومنطق غير متوازن، وهذا الأخير -في اعتقادي- لو أن زوجته تملك ضعف وزنه ذهباً - كما يقول- لما بقي عندها إلى زمن هذا الحوار مع قريبه، لم يسأل نفسه عن العيب في مرافقة الزوجة والبنت إلى السوق أو الحديقة وغيرهما من الجهات المباحة؟! فالقصور هنا يكتنفه والعيب يحيطه بالهواجس غير العقلانية. الزوجة هي الزوجة داخل المنزل وخارجه، فكيف تكون حبيبة وهي تشاركه المأكل والفراش، ومعيبة في السوق أمام الناس، وما الناس يا هذا إلاَّ من ذكر وأنثى. والمثير للدهشة أن تجد من يقيس بهذا المقياس في بلده وما أن يخرج للسياحة إلاَّ وتشاهده في الكازينوهات والمتنزهات وأماكن الترفيه (الأخرى) يغازل النساء ويخطب ودهن ليقتربن منه ويلاطفهن في الحديث، ومنهم من يغدق على بنات الهوى في علب الليل المال ويعصر ذهنه وحواسه ليستذكر كلمات الحب الرقيقة ليقذفها نحوهن ببلاهة تنزل لدرجة دونية لا يقبلها عاقل لنفسه في أي زمان أو مكان.. فإذا ما عاد لدياره وأهله أخذ يستذكر كل عقد العيب ويستعيد قيوداً كان قد انفلت منها عند دخوله لبوابة صعود الطائرة في بداية الرحلة الموصوفة بالسياحية، قيود لم تفرض عليه بل البعض يفرضها على نفسه من منطلقات في نظره تتعلق بالرجولة التي جعلته (جهلاً منه) يأنف من مرافقة والدته وزوجته وابنته داخل السوق في دياره ويستلذ الانعتاق منها ويطلبها خارج الديار إن لم يعدها من مقومات الرجولة التي تؤهله لاستمالة النساء وفتيات الليل حين تعتريه نرجسية الوسامة، والشياكة الواهمة في الملبس ولم يعلم أنه أبعد ما يكون عن هذه المعايير، وأن المعيار الوحيد في نظر سارقات الليل هو الجيوب العامرة بالعملات المتنوعة التي جعلها (فتى الأمسيات) سلاحه الوحيد حين تعز الوسامة وتشح الشياكة، وإذا عاد فجراً لغرفته في الفندق أو الشقة المفروشة أخذ يحسب الخسائر ويوازن بين السلب والإيجاب، ثم يقنع نفسه (ليسطيع النوم) بترديد كلِيمات باهتات مثل: (ما يخدم بخيل وما جينا إلا للوناسة)، أما في دياره ومع أهله فالعبارات البليغة الحكيمة لديه وشعار الرجولة عنده: (الحرمه الله يكرمك ما تنعطى وجه، ولا ريال، أحقرها تتبعك)!! وأخيراً فإنه لا بد من التنويه بأن هذه نماذج وصور من المجتمع يؤمل أن تكون قليلة وغير مؤثرة وإنها في طريقها للزوال تدرجاً مع زيادة الوعي، وإن كان ليس كل الرجال أوفياء فالنساء كذلك.