|
حوار وإعداد : محمد بن عيسى الكنعان
يختتم الضيفان الدكتور خالد الزعاق مشرف مرصد بريدة الفلكي، والدكتور محمد بن فهد الفريح عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء بالرياض حوارهما حول موضوع الأهلة على طاولة (الجزيرة)، بمناقشة واستعراض المواقف المتبادلة بين علماء الشريعة وأهل الفلك، على خلفية نقاشهما في الجزئين الأول والثاني حول الرؤية في مصادر الشريعة وأهمية الحسابات الفلكية وعلاقة الدين بالفلك... فإلى الحوار في جزئه الأخير:
موقف الشرعيين من الفلك
كيف نفسر موقف الشرعيين من علم الفلك، بموافقتهم الاعتماد على الحسابات الفلكية في أوقات الصلوات ومواعيد الخسوف والكسوف، ولا يتم ذلك في إثبات رؤية هلال الصيام أو العيد أو الحج؟. الزعاق يقول: (هذا من المتناقضات عند من يرد حساب الأهلة، فالله سبحانه لم يفرق بين حساب الشمس والقمر فقال تعالى (الشمس والقمر بحسبان)، وترجمت ذلك الحسابات الفلكية في ظاهرة الخسوف والكسوف، فالمعادلات واحدة والنتائج منضبطة مع الواقع المشاهد، فعلماء الفلك تقدموا في دراسة الفلك والهيئة وحساب حركات الشمس الظاهرة، ومن هذا استطاعوا حساب وقت الزوال بالساعات والدقائق، وكذلك حساب وقتي الغروب والشروق ثم قدروا وقت الشفق وعينوا نهايته فلكياً، وحولوه بالحساب إلى زمن، ثم حسبوا طول الظل بالنسبة إلى ارتفاع جسم موضع الشمس، وحولوه بالحساب كذلك إلى زمن حتى أننا اليوم نجد المؤذن يقرأ الميقات من التقويم ثم ينظر في الساعة ثم يؤذن. وهكذا استبدلنا بعلامات مواقيت الصلاة ساعات ودقائق وأخذنا بصورة عقارب الساعة بدلاً من دورة الشمس تيسيراً من الله ونعمة، وأجمع على ذلك إجماع الأمة لا يختلف عليه إمام أو عالم أو فقيه ولم يقل أحد إن هذا إحداث في أمر الدين أو أنه بدعة، فهل يعقل أن يؤذن المؤذن الملتزم بجدول الحساب ثم تطلع الشمس؟ كلا، بل لو إن مؤذناً ترك العمل بالحساب (التقويم) وقال أريد أن اجتهد بالعلامات، فإذا وقع الخطأ نقول مثل قول عمر رضي الله عنه (خطب يسير، وقد اجتهدنا)، على النقيض يوضح الفريح الموقف بقوله: (من قال إن الاعتماد في أوقات الصلوات والخسوف والكسوف يكون بالحساب الفلكي؟! بل العمل بما ورد في الشرع فإذا طلع الفجر الصادق دخل وقت الفجر، وإذا زالت الشمس دخل وقت الظهر، وإذا غابت دخل وقت المغرب، وأما العمل بالتقاويم كتقويم أم القرى؛ فلأنها وافقت الواقع، وتحقق وجود العلامات الشرعية على دخول أوقات الصلوات، ولو خالفته لم يلتفت إليها، كما مضى في محضر الترائي حين غابت الشمس حقيقة، وبقي على غيابها ثلاث دقائق في الحساب فلا يقال: للمصلي لا تؤذن بقي ثلاث دقائق، ولا للصائم لا تفطر بقي ثلاث دقائق. علما أن القرافي رحمه الله أشار إلى الفرق في ذلك بقوله إن الله تعالى نصب زوال الشمس سبب وجوب الظهر، وكذلك بقية الأوقات، فمن علم السبب بأي طريق كان لزمه حكمه، فلذلك اعتبر الحساب المفيد للقطع في أوقات الصلوات، وأما الأهلة فلم ينصب صاحب الشرع خرجها من الشعاع سببا للصوم، بل رؤية الهلال خارجاً من شعاع الشمس هو السبب، فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي فلا يثبت الحكم، ويدل على أن صاحب الشرع لم ينصب نفس خروج الهلال عن شعاع الشمس سبباً للصوم قول صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، ولم يقل لخروجه عن شعاع الشمس. كما قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ولو أخبر الحاسب عن كسوف الشمس أو خسوف القمر لم يصح البدء بالصلاة حتى يظهر ذلك ويتبيَّن، فتكون العبادة أديت على رؤية الشيء، ووجود سببه لا على الحساب).
لكن الفلكيين يقولون إن دور الفلك في جانب النفي في مسألة الرؤية وليس الإثبات، بمعنى نفي إمكانية رؤية الهلال وليس إثبات الرؤية التي هي من عمل الشرعيين. يقول محمد الفريح عن ذلك: (هذا قول محدث لم يعرف قبل السبكي -رحمه الله- وهو من أهل القرن الثامن حتى قال هو في فتاويه لم نجد هذه المسألة منقولة، لكنا تفقهنا، فهل يقال إن صيام الرسول صلى الله عليه وسلم لتسع رمضانات، وكذا القرون المفضلة من بعده، وما بعدها إلى القرن الثامن قد فاتهم شيئا من أمر دينهم، وهو لا يتحقق إلا بالحساب في جانب النفي، وقد مضى الإشارة إلى ذلك). لكن خالد الزعاق يؤكد بقوله: (نعم وهذا ما ندعو إليه، فأهل الفلك يناشدون المحكمة العليا تطبيق شروط الشهادة وضبط مسألة الرؤية، لأن مسألة قبول أو رد شهادة الشهود هي مسألة شرعيةٌ بحثها أهل العلم منذ القِدَم، ووضعوا لها الضوابط العديدة، ومن أهم ضوابطها أن تكون الشهادة منفكةً عَمَّا يُكذِّبها حِساً وعقلاً)، وعلم الفلك هو الحلقة بين القاضي والشاهد فإذا تعلقت الشهادة بمستحيل أو اقترن بها ما يكذبها فإنها ترد والشهادة على رؤية الهلال داخلةٌ في ذلك، فالشاهد لا بدَّ أن تخلو شهادته مما يردُّها. فلو شهد شاهدٌ على رؤية الهلال ليلة سبعٍ وعشرين، أو على رؤيته في جهةٍ غير الجهة التي يطلع منها، ونحو ذلك، فإنَّ شهادته لا تُقبل؛ لاستحالتها عقلاً. قال السُّبكي في فتاواه: ‹›ولم يأت لنا نص من الشرع أنَّ كلَّ شاهدين تقبل شهادتهما سواء كان المشهود به صحيحًا أو باطلاً، ولا يترتب وجوب الصوم وأحكام الشهر على مجرد الخبر أو الشهادة، أي أنَّ مُجرَّد قول الشخص: رأيتُ الهلال لا يقتضي قبول قوله، بل لا بد من تمحيص شهادته والنظر فيها).
أيضاً يختلف الفلكيون حول تحديد حالات ولادة القمر وغروبه، فمنهم من يقول إنها ثلاثة، وآخر يقول أربعة، وثالث يقول خمسة، ألا يعكس ذلك خلافاً كبيراً، ما يعني أن الحساب الفلكي لا يصلح على كل حال في تعزيز إمكانية الرؤية؟ يؤكد الدكتور الفريح ذلك بقوله: (هذا صحيح، ونقلت كلام بن تيمية حيث قال واتفق أهل الحساب العقلاء على أن معرفة ظهور الهلال لا يضبط بالحساب ضبطاً تاماً قط؛ ولذلك لم يتكلم فيه حذاق الحساب، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي البختري، قال: خرجنا للعمرة، فلما نزلنا ببطن نخلة، قال: تراءينا الهلال، وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين، وقال بعض القوم: هو ابن ثلاث. قال: فلقينا ابن عباس، فقلنا: إنا تراءينا الهلال، فقال بعض القوم: هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين. فقال: أي ليلة رأيتموه؟ قال: قلنا ليلة كذا وكذا. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله مده للرؤية فهو لليلة رأيتموه)، ثم يضيف: (لم أر أن الفلكيين قد أجمعوا في عام واحد على أمر واحد، خاصة في رؤية هلال رمضان وشوال بل تجدهم مختلفين، بل قد يبغي بعضهم على بعض في التصريحات ونحوها، ولو أجمعوا فليس في إجماعهم حجة). غير أن الدكتور الزعاق يعلل ذلك بقوله: (لا يختلف أهل الفلك من المتخصصين بميعاد ولادة الهلال ولا لثانية واحدة، فجميعهم متفقون على الولادة، وما يروى عن الاختلاف ناتج أن بعض الهواة يأخذون الولادة من برامج فلكية منتشرة على النت تعطي نتائج تقريبية وليست تحقيقية، أما المتخصصون فمرجعيتهم في ذلك المراصد العالمية، وما تنشره في مطلع كل سنة عن حركات جميع الأجرام السماوية ومنها القمر والشمس).
على ذلك فإذا كان الفلكيون يقرون بأن الحساب الفلكي ليس بديلاً عن الرؤية، إنما دورهم يتمثل في تقديم المعلومة الفلكية الصحيحة لضبط مسألة الرؤية، فما مبرر الخلاف؟ الزعاق يشخص ذلك بقوله: (الخلاف ناتج عن عدم قدرتنا في التوفيق بين رأي الشرع ورأي العلم، فلو استوعبنا ذلك لم ضاعت أعمارنا في قيل وقال وإضاعة الوقت والمال في مسألة واضحة أوضح من الشمس في رابعة النهار، هذا الأمر كلف الدولة ملايين الريالات في إنشاء مراصد فلكية لرصد الأهلة في مناح عدة من المملكة لم نستفد منها ولا مرة واحدة، بسبب بسيط هو أنه مهما تقدم شاهد، فشهادته مقدمة على رؤية المراصد وأقول أهل العلم من الفلكيين).
من جهته يقول الفريح: (لأن الفلكيين قرروا أشياء ليست من اختصاصهم، كقولهم إنه يرى أو لا يرى، فهذا لا دخل لهم فيه؛ لأن الرؤية تختلف من شخص لآخر، ومن مكان لآخر، فالجزم باستحالة الرؤية ونشر القول بأنه لا يمكن أن يرى الهلال البتة مخالف للواقع، فقد رؤي الهلال في أعوام زعم كثير من الفلكيين استحالة الرؤية، ومع ذلك شهد عدد من الشهود جاوزوا العشرة، ومن أماكن متفرقة على رؤية الهلال تحيل العادة أن يتواردوا على الخطأ في مثل هذا).
تقويم أم القرى الفلكي
حسب تقويم أم القرى المبني على حسابات فلكية وإحداثيات أرضية فإن أول أيام شوال (يوم العيد) كان الثلاثاء، وهو ما تطابق مع الرؤية المجردة التي جرت في منطقة سدير.. فلماذا اعترض الفلكيون؟، يعلق الدكتور الفريح بقوله: (هذا دليل ظاهر على اختلاف الفلكيين، ومع توافق حساب تقويم أم القرى مع الرؤية الشرعية إلا أن بعض الفلكيين، ومن تأثر به قاموا بالتشكيك في الرؤية، وفي التقويم، ما يدلك على يسر الشريعة وسماحتها في طرح الحساب، والاعتماد على الرؤية، وعند تعذرها، فيكمل الشهر ثلاثين حيث يعرف هذا كل مسلم جاهلاً كان أو عالماً، علماً أن بعض الفلكيين صرحوا أن الهلال موجود في منطقة سدير، لكن يزعمون أنه لا يرى؛ لأنه لم يمكث المدة المطلوبة للرؤية، ولهذا لم يثبت العيد شرعا عندهم, وإن ثبت فلكياً). لكن الدكتور الزعاق يؤكد: (الأسس التي بني عليها تقويم أم القرى يأخذ مكث القمر بغض النظر عن معايير الرؤية، وهناك شروط عدة لرؤية الهلال بالعين المجردة أو المسلحة بالأجهزة، لم يأخذ منها تقويم أم القرى إلا شرطين فقط هما أن يولد الهلال وأن يمكث بعد غروب الشمس ولو لثانية واحدة، ومكث القمر لهلال شوال الفارط كان ضئيلاً جداً لدرجة أن أكبر التلسكوبات لا تستطيع أن تدركه في جميع أنحاء العالم الإسلامي).
هلال شوال 1432هـ
المقياس العالمي لمكوث القمر هلالاً بعد غروب الشمس هو 29 دقيقة للرؤية المجردة و20 دقيقة للرؤية عبر الأجهزة، وقد مكث القمر بعد غروب شمس مساء الاثنين 29 رمضان ما بين دقيقتين و 10 دقائق.. فكيف نوفق بين رأي الفلكيين وحكم الشرعيين؟، الزعاق يرد باختصار شديد وإجابة محددة بقوله: (وهذا ما سبب البلبلة الشديدة والتي أحرجتنا أمام العالم)، لكن الفريح يوضح المسألة بقوله: (المقياس العالمي مبني على واقع من رأى الهلال في هذه المدة، فإذا وفق الله من يرى الهلال في مدة أقل، فينبغي أن يتغير المقياس العالمي إلى الواقع الجديد، وتعد منقبة لأهل هذه البلاد، لا تخلفاً وجموداً كما زعمه بعضهم، وسبق أن ذكرت حول مسألة هل يمكن ضبط الرؤية بضابط محدد؟ وقد اختلف الفلكيون في مقدار الدرجة، التي يظنون أنه لا يرى بعدها بالعين المجردة على حسب حساباتهم, وهي متفاوتة).
غير أن الفلكيين يؤكدون أنه لا يمكن رؤية الهلال عندما يكون أقل من درجة.. وهو ما حدث بالنسبة لهلال شهر شوال هذا العام مساء يوم الاثنين 29 رمضان فقد كان مكان القمر في جميع مناطق المملكة تحت ارتفاع درجة واحدة عن الأفق، ما يعني أنه في غاية الانخفاض والاقتراب من الشمس، وهذه حقيقة كونية وليست مجرد حساب فلكي فلماذا لم يتم التعامل معها بشأن الرؤية؟ يؤكد الفريح أنه مضى الكلام على مسألة دعوى استحالة الرؤية والجواب عنها. من جهته يجيب الزعاق: (الحقائق الكونية الدامغة والدالة على تخبط الشهود كثيرة لا تعد، فهناك ظاهرة الكسوف، التي لا يتقدمها رؤية لهلال وهذا ما أجمع عليه علماء الفلك وعلماء الشرع أيضاً، بينما نجد الشهود لدينا يشهدون عندنا ويحدث كسوف للشمس في البلاد الواقعة غربنا، كما حدث في عام 1404هـ، ولو أمعن أهل الشأن في شهادة الشهود لأدركوا فداحة الأمر). لكن هناك دولاً عربية تعمل بالحساب الفلكي إلى جانب الرؤية المجردة أو بالأجهزة قد اعتبرت يوم الثلاثاء هو أول أيام العيد كمصر مثلاً ما يعني صحة رؤية الهلال في المملكة.. فكيف نفهم هذا الوضع؟ يشرح خالد الزعاق بقوله: (الشهود الواهمون منتشرون في كل زمان ومكان، ففي القرن الأول الهجري أخطأ الناس رغم اعتمادهم على رؤية العدول في إثبات شهر رمضان بيوم فأفطروا يوماً فلما صاموا ثمانية وعشرين يوماً رؤي هلال شوال فتبين لهم الخطأ حينئذ، واضطر الناس إلى جبره بالإفطار من الغد ثم قضاء اليوم الأول، فقد روي أن علياً رضي الله عنه صام بالكوفة ثمانية وعشرين يوماً من شهر رمضان فرأوا الهلال فأمر منادياً أن ينادي: أقضوا يوماً فإن الشهر تسعة وعشرون يوماً، قال ابن مفلح في الفروع (إن صاموا ثمانية وعشرين ثم رأوا هلال شوال قضوا يوماً فقط، نقله ابن حنبل واحتج بقول علي رضي الله عنه ولبعد الغلط بيومين، وحكى السبكي -رحمه الله- أنه في سنة 748هـ أثبت أحد قضاة الشام هلال ذي الحجة ليلة الأحد، ولم تكن حينئذ الرؤيا ممكنة، وحكى بن عابدين في رسائله عن صاحب كتاب البحر الرائق أنه وقع في زمانه سنة 955هـ أن أهل مصر افترقوا فرقتين، فمنهم من صام ومنهم من لم يصم، وهكذا وقع لهم في الفطر، حتى إن بعض مشايخ الشافعية صلى العيد بجماعة دون غالب أهل البلدة، وأنكر عليه ذلك لمخالفة الإمام. وقال ابن عابدين أيضاً وقع في زماننا سنة 1225هـ أن رجلاً شهد برؤية الهلال في دمشق، فحصل له من الناس غاة الإيذاء حتى صار هزأة وضحكة وصار يشار إليه بالأصابع في الأسواق حتى بلغني عنه أنه أقسم ليعصبن عينيه إذا دخل رمضان الآتي، وما عام 1404هـ عنا ببعيد حينما صمنا ثمانية وعشرين يوماً). في المقابل يرد محمد الفريح: (لسنا في شك من صحة صومنا وفطرنا، ولا نزال بخير ما دمنا على ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلا يضرنا من خذلنا ولا من خالفنا، وهذا السؤال رد على مزاعم بعض الفلكيين، فالجهة المختصة في مصر أعلنت أن شهر شوال قد دخل بشهادة الشهود).
بناءً على ما سبق إلى أي مدى يمكن توضيح مسألة الاختلاف بين الشرعيين والفلكيين حول هلال شوال.. فلقد اعتمد الشرعيون رؤية الهلال من منطقة سدير، رغم أن علماء الفلك يقولون باستحالة رؤيته في هذه المنطقة وعموم نجد وشمال السعودية لأن القمر يغرب مع الشمس؟ يرى الدكتور الفريح أن هذا السؤال خطأ بهذه الكيفية موضحاً بقوله: (لم تعتمد المحكمة العليا في ثبوت هلال شوال لسنة 1432هـ بناء على ما رفعه قاضي حوطة سدير فقط من شهادة الشهود لديه، وإن كانت شهادتهم كافية شرعاً، بل جاءها من أماكن أخرى، وهي مقيدة في المحكمة العليا، فالطعن في بعض أهل المناطق مع كونه محرم شرعاً، كذلك مخالف لما يكرره ولاة الأمر في هذا البلد الكريم من منع النبز بالمناطقية أو القبلية ونحوها، وأرجو أن تكون هناك وقفة حازمة حول من ينبز بالألقاب في تصاريحه، أما القول إن علماء الفلك يقولون باستحالة رؤية القمر في تلك المنطقة؛ لأنه يغرب مع الشمس, فهذا كلام لا صحة له فلكياً؛ لأن الفلكيين نصوا على أنه يغرب بعد الشمس لا معها بدقائق حددوها، وبنوا عليها استحالة رؤيته في تلك الحالة، لا أنه يغرب مع الشمس). من جانبه يرى خالد الزعاق الأمر على النقيض بقوله: (هلال شوال لسنة 1432هـ كان حرجاً جداً وامتحان صعب لأهل الرؤية فقد غرب قبل الشمس على شرق المملكة ومع الشمس على الوسطى وبعد الشمس بدقائق معدودة على غرب وجنوب المملكة، وبناء على أرشيف رصد الأهلة، والذي يضم أرصاد للهلال ما بين العام 1859م وحتى العام 2004م لم تثبت رؤية هلال يقل عن القيم التالية: أصغر عمر لهلال تمت رؤيته بالعين المجردة كان 14 ساعة و 48 دقيقة، وذلك من قبل الراصد بيرس (Pierce) يوم 25-02-1990م. أما بالمرقب فقد كان أصغر عمر لهلال تمت رؤيته 11 ساعة و42 دقيقة، و ذلك من قبل الراصد الإيراني محسن مير سعيد يوم 07-09-2002م، وأقل مكث لهلال تمت رؤيته بالعين المجردة كان 29 دقيقة، وذلك من فلسطين يوم 20-09-1990م، ولم ير هلال باستخدام المرقب يقل مكثه عن هذه القيمة، وأقل استطالة لهلال تمت رؤيته بالعين المجردة كانت 7.6 درجة، وذلك من قبل الراصد بيرس (Pierce) يوم 25-02-1990م، ولم ير هلال باستخدام المرقب تقل استطالته عن هذه القيمة).
فكرة توحيد المطالع
تعمل تركيا وماليزيا ومسلمو أوروبا بالنسبة للأهلة على مبدأ (توحيد المطالع)، فإذا شوهد الهلال في بلد ما يشترك مع آخر بجزء من الليل لزم هذا البلد الآخر هذه المشاهدة والعمل برؤية ذلك البلد، ففي أي اتجاه يصب هذا العمل؟ يقول الدكتور محمد الفريح: (صدر قرار من هيئة كبار العلماء في بيان مثل هذه المسألة فليراجعه من أراد العلم, ولكل دليله ومستنده، وأحب أن أذكر هنا قول سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار رحمه الله حيث قال عن مسألة مثل هذه أنها مسألة فروعية، والحق فيها معروف كالشمس. والفصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين». الخلاف في تطبيق مدلول هذا الحديث وغيره بتأويل -اجتهاداً أو تقليداً- مثل نظائره في المسائل الفروعية، وجنس هذا الاختلاف لا بد منه في المسائل الفرعية، ولا يضر، إنما المهم هو النظر في الأصول العظام، فالإخلال بها هادم للدين من أساسه، وذلك مسائل توحيد الله تعالى بإثبات ما أثبت لنفسه في كتابه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات. وكذلك توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية. وكذا توحيد الاتباع، والحكم بين الناس عند النزاع: بأن لا يحاكم إلا إلى الكتاب والسنة، ولا يحكم إلا بهما، هذا هو الحقيق بأن يهتم به وتعقد المجالس والمجتمعات لتحقيقه وتطبيقه).
أما الدكتور خالد الزعاق فيعلق بقوله: (هذا حلم بالنسبة لي وآمل أن تأخذ به جميع الدول الإسلامية، وربما لا أدركه في حياتي، فنحن شعوب لم نستوعب الحاضر ونستشرف المستقبل ونحتاج إلى سنين ضوئية حتى ننعتق من ربقة الدوران حول الذات والعجن واللت في مسائل تعتبر من أبسط الأمور عند غيرنا، وبالمناسبة جميع المؤتمرات الإسلامية، التي أقيمت لمناقشة مشكلة الأهلة منذ 35 سنة تقرر الاستفادة من علم الفلك في رد الشهادة في جميع توصياتها، إلا أنها توصيات سرعان ما توضع في الدرج ونرجع إلى نقطة الصفر وكأن شيئاً لم يكن وهكذا دواليك في كل مؤتمر. كما يشير الزعاق إلى المشروع الإسلامي لرصد الأهلة، فيقول: (يعتبر أقوى مشروع عالمي في هذا الشأن لما يحتويه من أعضاء متخصصين وهواة متمرسين في رصد الأهلة، وهم يترصدون حركات الشمس والقمر في كل زاوية كونية ويقدمون النتائج اليومية لكل من أرادها، وهو الجهة العلمية التي استطاعت أن تحرك المياه الراكدة في الآونة الأخيرة). كذلك أشار إلى الدراسة التي قام بها عدنان قاضي، حيث توصل فيها إلى أنه 6 حالات من مجموع 46 حالة توافقت فيها الرؤية المجردة مع الحسابات الفلكية وفقاً للمعايير، التي وضعها الشرعيون والفلكيون في مؤتمر اسطنبول عام 1398هـ، مؤكداً بقوله: (النتائج التي توصل لها الأستاذ عدنان قاضي أدلة دامغة وموثقة على نقص الطريقة المتبعة لدينا في إثبات الشهادة عن الكمال).