إن التربية عملية طويلة تحتاج إلى جهد مضن ومتواصل، لأن بناء النفس البشرية يُعتبر من أشق وأعسر عمليات البناء، فالتعامل مع المادة الجامدة أسهل من التعامل مع كائن حر لأن المادة الجامدة يمكن تطويعهاكما نشاء، أما النفس البشرية فلن يتيسر لنا ذلك معها لأنها تملك الحرية والإرادة فلابد أن نتعامل معها ابتداءً من هذا المنطلق.
إن ما يتم مشاهدته من تجاوزات ربما كانت غير أخلاقية أو مخالفة للآداب العامة أو الذوق العام في معظمها من بعض وليس جميع شبابنا من المراهقين سواءً في المدارس أو الشوارع أو الأماكن العامة لا يعكس إطلاقاً وجود نقص في قدراتهم أو في ما يتمتعون به من ذكاء ولكنهم يحتاجون إلى تربية متوازنة تلبي حاجات الروح إلى جانب حاجات الجسد، فالإنسان روح وجسد.
يجب أن يحتل الاهتمام بالتربية المتوازنة قمة سلم الضروريات لدى جميع من أوكلوا هذه المهمة من منزل (أسرة) أو مدرسة أو جهة تربوية أو إعلامية، حيث إن نتائج ذلك ستصل إلى المجتمع كله سلبًا أو إيجابًا، ولن يكون في صالح أحد أن يتم تلبية الحاجات المادية مع إهمال للجوانب الأهم، فالأب الذي يتوهم بأن دوره ينحصر في تأمين حاجات أسرته المادية فقط دون الروحية، يكون قد غفل عن جوانب أهم بكثير من الغذاء واللباس وساهم بشكل فاعل في إحداث خلل في البناء المتوازن الذي أشرنا إليه سابقاً وفي العملية التربوية الصحيحة المنشودة وقد أخل في دوره الموكل إليه والمؤتمن عليه.
كما لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل أثر وسائل الإعلام على سلوكيات وقيم أفراد المجتمع، وتشكيل شخصياتهم، وقد زادت أهمية وسائل الإعلام في العصر الحديث بعد ما بلغته من تطور واضح وملموس، حيث إن تلك الوسائل سواءً المقروء منها أو المسموع أو المرئي تعمل على جذب انتباه الطفل، وإثارة اهتمامه باستخدام ما يتاح لها من تقنيات متطورة وحديثة، ويزيد من تأثير الوسائل الإعلامية بتربية الأطفال ما تقدمه هذه الوسائل من مواد درامية يكون لها تأثيرها المباشر والفعال في تشكيل سلوك الأطفال وقيمهم، أي أن هذه الوسائل تؤدي دوراً هاماً في حياة الطفل وإن لم يكن لهم معرفة سابقة بالقضايا التي تثيرها هذه الوسائل، وكل وسائل إعلام الطفل من صحف ومجلات وإذاعة وتلفاز لها دورها في تربية وإعداد الطفل العربي، ولكن يظل واقع وسائل إعلام الطفل العربي سيئا للغاية، بل في غاية السوء من خلال التقصير الواضح في الاهتمام به، وهو يهدد بتشويه مدمر للبناء الثقافي لأطفالنا، وباستثناء بعض الطفرات النوعية التي حدثت في بعض وسائل الاتصال، فإن أداء هذه الوسائل يعاني من التخلف والتقصير والتخبط المثير الذي لا يليق بأمة لها ثقافتها الذاتية المتميزة. فالمشاهد العربي يستطيع الحكم بسهولة على الإعلام العربي الموجه للطفل اليوم فلا يكاد يكون له ذكر أو مساحة في الحراك الإعلامي العربي بشكل عام، حيث عدم وجود الكتب الموجهة للطفل وانعدام المساحات الممنوحة له في الإذاعات وانعدام البرامج المرئية إلا ما ندر وإن وجدت فهي لا تحاكي عقل الطفل العربي بعمره الحقيقي ما جعلها محل استهزاء وازدراء منهم وبالتالي العزوف عنها وعن مشاهدتها أو متابعتها.
تقصير وسائل الإعلام العربية تجاه الطفل العربي جعلت الأبواب مشرعة أمامهم لتلقف وتلقي ما يأتيهم من مواد إعلامية غربية لا تتناسب وطبيعة الطفل العربي الأمر الذي سيكون له أسوأ تأثير في تشكيل شخصية الطفل وقيمه وعقيدته على المديين القصير والبعيد.
التدخل المهني المسؤول للحد من هذه المشكلة من منظور شمولي متكامل ومتوازن ويتعامل مع جميع الأنساق المرتبطة بالمشكلة ويعتمد على العديد من النظريات التي تساهم بفاعلية لحل المشكلة هو مطلب وطني وحضاري وثقافي يجب التأكيد على ضرورة تحقيقه.
* إلى لقاء قادم إن كتب الله.
dr.aobaid@gmail.com