في بعض الدول العربية يتسابق المرشحون في ميدان واسع وغير معبد للوصول إلى الغاية المنشودة. ومن المشاركين من يحسن السباق ومنهم من يكون دون ذلك. ولا شك أن مواصفات كثيرة يتطلبها كل فرد حتى يكون قادراً على المنافسة وبلوغ المرام. وفي الغالب فإن من تتكامل فيه الصفات يكون الأجدر بالوصول قبل غيره، غير أن عوامل أخرى، وقبل ذلك كله توفيق الله سبحانه وتعالى هو الأساس في إدارك الغايات. وهؤلاء المتسابقون يشبهون الخيل في مضمار السباق.
والطيب بالطيب يذكر، فقد اطلعت على بحث طيب للأخت الفاضلة الدكتورة سعيدة العلمي عن الخيل، واقتطفت بعضا مما قالت عن الخيل معتمدة في ذلك على مخطوطة موجودة في الخزانة الحسنية بالمغرب الشقيق. ومما نقلت عن تلك المخطوطة أن السيد أندراد الحكيم ذكر أن الخيل من أفضل الحيوانات سوى الحيوان الناطق وأكثرها قوة، وأن الله خلقها للحروب وأن المتقدمين أو الأقدمين كانوا إذا اختطوا مدينة أول ما يقدم لأساس سورها (رأس الحصان). وقال عنها أرسطو طاليس إنها أسرع الحيوانات وأشجعها وأطغاها في الحرب عند ملاقاة العدو، وأنها تفرح وتسر عند حصول الغلبة على العدو.
أما طبيعة الخيل فهي مشابهة لطبيعة الإنسان، كما أنها شديدة الارتباط بصاحبها، حيث ذكر بليز الحكيم أن أحدها مات عليه صاحبه فبقي منقطعاً عن الأكل حتى مات تأسفاً، ومما ذكر عن حصان قيصر ملك الروم أن من محبته لسيده أنه إذا أراد ركوبه ينحني له حتى يصل بطنه إلى الأرض تواضعاً له، وكذلك حصان الأسكندر المسمى (أبو صفات) الذي قيل إنه لا يركبه إلا من يملك الدنيا قاطبة، وكان متى أراد ركوبه يتواضع إليه ويخفض رأسه إلى الأرض، وكان لا يركبه إلا هو، ولا تكون حروبه إلا عليه إلى أن مات وله مدة من ثلاثين سنة تحت سرجه، فلما مات بنى عليه بنيانا متفننا عجيباً وكتب عليه (هذا قبر أبي صفات- تاج الخيل).
وجاء في ذكر بعض العادات التي تميزت بها شعوب دون أخرى في التعامل مع الخيل أن الصقليين كانوا يدفنون الخيل مع أربابها إذا ماتت، وعادة القشتاليين أنه إذا مات الحصان يحلقون شعر ختمه، وعادة التتر أنه إذا مات ملكهم يأخذون خيله ويذبحونها على قبره.
وتشترك الخيل في طبيعتها مع طباع الإنسان في خصائص منها ما قاله جالينوس الحكيم من حيث إنه لا ينبغي أن نجعل بين عين الأفراس في أيام توحمهن ما يكرهن النظر إليه من قبيح الصور كي لا يأتي الأولاد على خيال تلك الصورة القبيحة، وقال أيضاً يجب أن يكتسي الحصان بثوب جميل مختلف الألوان حين وقوعه بالفرس ليأتي الولد جميل اللون وهذا شرط طبيعي وقد فعله لمهره نبي الله يعقوب بن اسحاق عليهما السلام.
والحصان الأصيل لا يجامع أمه أبداً، وقد ذكر أنهم غطوا الحصان فرسه وعوموه عليها فلما حصل له الوقاع معها كشفوا له ولما عرف أنها أمه قتل نفسه حينئذ. ومن طباع الخيل التي أوردها أرسطو طاليس أن الحيوانات كلها مركبة من أربع طبائع ولابد أن تكون فيها من الصفرة والدم والبلغم والسوداء وكذلك الحرارة واليبوس والبرودة والرطوبة، متناظرين للتيار والهواء والماء والتراب، وأكثر الخيل على هذه الطبيعة والدليل على ذلك أنها تعيش طويلاً وقد تعمر إلى خمس وثلاثين سنة ومنها ما يبلغ حتى ستين سنة. وطبيعتها تميل كثيراً إلى الحرارة أكثر من الرطوبة. وإذا كان الحصان سريع الجري يقال عنه صفروي، وإذا كان عاجزاً وراقداً يقال عنه بلغمي، وإذا كان مشروحاً يقال عنه دموي، أما الخواف فيقال عنه إنه سوداوي.
وجاء في ذكر أوصاف الحصان الجميل أن أحسن خيل الدنيا هي خيل غسبانيا وخيل بلاد العرب. أما معرفة الخيل العتاق الجياد، فجمال الصورة يدل على حسن الطبيعة، ومن ذلك اعتدال أعصابه وسواد حافره وأن يكون اللحم الذي فوقه معتدلا وأن تكون قصبة ساقيه متسعة، ويكثر في رجليه مما يلي صدره أكثر مما يلي ركبتيه، وأن تكون أضلاعه كبارا وتبعد بعضها عن بعض، وأن تكون رجلاه معتدلتين، غير معوجتين وأن يكون سبيب الذنب متوسطا كثير السبيب الطويل.
ومما يطلب في أوصاف الحصان الجميل أن يكون موضع السرج كبيراً والجوف يصغر مخرجه، ومذاكره متوسطة وعمقه كذلك متوسط وسبيبه رطب لأنه يدل على حياة القلب. وأما رأسه فيكون صغيراً قليل اللحم ويكون مرتفعاً، وتكون أحناكه صغاراً لأنها إذا كانت صغيرة تدل على قساوة الرأس ويكون لسانه رقيقاً، وتكون الجبهة متسعة منفرجة، وأذناه قائمتان معتدلتان لأنهما تدلان على شجاعة الحصان كشعر الأسد يدل على شجاعته أما عيناه فتكونان كبيرتين خارجتين ويكون أنفه منفرجاً.
هذا قيض من فيض عن الخيل التي احتلت مكانة بارزة في التاريخ العربي والإسلامي باعتبارها عنصراً هاماً لا يمكن الاستغناء عنه في حياة العرب لحاجتهم إليها في ميادين الفروسية والحروب أو حتى امتلاكها لمجرد التفاخر والزينة. ولا أدل على أهمية الخيل في تراثنا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم إن الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة، ثم ما قاله الخليفة عمر بن الخطاب: علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل.
وأخيراً فقد ركب السياسيون صهوة خيولهم، فمن يا ترى يكون في المقدمة؟