العيش في مدينة ساحلية يحدها البحر بأمواجه المتتالية متعة لا تدانيها كل متع الحياة، البحر ورماله ومراكبه صغيرها وكبيرها، عذوبة مائه المالح طغت على القلوب والوجوه، صغاراً عشنا طفولة البحر دون شيخوخته، أيام خوالِ تعيش فينا ونعيش فيها.
ذلك الفتي ذو الأربعة عشر ربيعا يتابع ويشارك في نشاط أقرانه، حب البحر يدفعهم لحضنه الدافئ برغم أنه لا يتقن السباحة.
يندفع يوميا ليحتضن رماله الساخنة، يراقب صيادي الصباح، يلتقط ما يتبقى من الأسماك الصغيرة التي تخترق الشباك القوية، يجمعها، يشعل النار، يرص عليها الأسماك، ويفرق بينها بقطعة صفيح حتى لا يحترق الجلد، يلتهمها، يغسل يديه في ماء البحر، يمرح بكرته الصغيرة المُحاطة بشراب قديم، يصنع طائرته الورقية من أخشاب الصناديق المُلقاة وراء سور الجمرك، يطلق لها العنان ولكنه يرفض أن تغادر كفه الصغير خيطها الطويل، ينظر في قرص الشمس، تخونه عيناه، يهبط بنظره للرمال، يزداد لمعان الرمال بفعل شعاعها الرابض في أحضان السماء.
يغلق عينيه لحظات حتى يستقر بصره، يتمنى أن يمتلك سجادة علاء الدين ليفرشها على أمواج تمنى ركوبها، تمر أمامه (بلطية) تجمع جمال الشمس والبحر، ينساب سوادها للخلف كخط مستقيم تحاول إرساله على كتفها، يرفض ويعاود الانطلاق للوراء، يتبعها قدم بقدم، يمشي على آثار قدميها، تنتبه، تزداد خطواتها دلالاً ورشاقة، تتفادى الرمال وكأنها تطير.
أحس بماء البحر يتلاعب بقدميه فقد تبعها داخل البحر، يرفع قدماً بعد قدم ليتفادى موج البحر المتلاطم حتى اختفت وضاع بين أمواج البحر.