أتابع بإعجاب الإنتاج العلمي والأدبي لعدد من الأدباء والمثقفين الذين زاد توهجهم وإنتاجهم عقب ترك كرسي الوظيفة وعقب «التقاعد» ولعلي أضرب على ذلك مثلاً لا حصراً بمعالي الدكتور علي النملة والدكتور عبدالرحمن الشبيلي والأستاذ محمد القشعمي وغيرهم كثير، فهؤلاء قاموا بتزويد المكتبات بالعديد من الكتب والدراسات والبحوث علاوة على مشاركتهم الإعلامية بالمقالات المتخصصة
وفي جانب آخر تبرز وجوه أخرى لها حضور ثقافي وسياسي واقتصادي في محافل دولية وإقليمية كصاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، ود. ماجد عشقي، وغيرهم، وكل هذه الأسماء تؤكد أن العطاء لا حد له وأن من تقوقعوا واختفوا عن الأنظار وشغلهم هاجس التقاعد وأصيبوا بداء «سن اليأس» غير مصيبين وأنهم أصبحوا رهينة لأفكار خاطئة .
وما ينطبق مع المثقفين والأدباء ينطبق أيضاً على طلبة العلم والمشايخ من أكاديميين وقضاة فالحالة هي الأخرى متباينة بين من واصلوا العطاء بل وضاعفوه وبين من لم يعد لهم ذكر ولا حضور وفقدتهم الساحات العلمية ورياض الذكر وميادين البحوث، وكما أشرت فهناك من زاد عطاؤهم بل وكانت السنوات اللاحقة للتفرغ بعد التقاعد مجالاً لهم للإبداع والعطاء الجيد وأسوق على ذلك بمثال لأحد رؤساء محاكم إحدى المناطق الذي تقاعد ولم يكن معروفاً سوى بالقضاء، فلما تقاعد تفرع للدروس العلمية وشرح المتون حتى قلت في نفسي أين كان هذا الرجل فيما سبق؟ لقد أصبح له دروسٌ في المسجد الحرام تبث بين حين وآخر في الإذاعة والتلفزيون.
إنني أسمع كغيري بجمعية اسمها جمعية المتقاعدين ولا أعلم أين مقرها وما نتاجها وأسمع عن القائمين عليها كل خير فهم من رجالات المجتمع الذين قدموا خدمات جليلة لدينهم ووطنهم والتحاقهم وتطوعهم للعمل في هذه الجمعية يتفق وما ذكر بأن هناك من لا يزالون قادرين على العطاء بل ويظهر إبداعهم ونشاطهم عقب التفرغ من أعباء الوظائف ومسؤولياتها وقيودها، وإنني آمل مع هذه الرغبة الصادقة للقائمين على الجمعية أن يلتفتوا إلى الكثير من المتقاعدين وإعطائهم «جرعة منشطات» معنوية وتهيئة الأسباب الكفيلة لهؤلاء بأن يواصلوا العطاء من خلال تبني بحوثهم ونشرها بالتعاون مع المجلات العلمية وإصدار كتاب دوري خاص بالمتقاعدين ولا يتوقف عند فن معين إلى جانب تنظيم لقاءات ومحاضرات تقام في أقسام الجامعات المتخصصة لعرض تجارب وخبرات هؤلاء المتقاعدين ومحاضرات عامة للجميع في مباني الجمعيات أو النوادي الأدبية والثقافية والعمل على انتشال المتقوقعين الذين اختفوا عن الساحة وألا تنتظر الجمعية من يأتي إليها بل يجب أن تبحث هي ومن خلال أعضائها والمنتسبين إليها عن المختفين عن الأنظار.
خاتمة:
كانت دروس سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهما الله تقام حتى آخر أيامهما على الرغم من شدة المرض وكبر سنيهما ولم يقف عطاؤهما إلا مع توقف نبضات القلب وكذلك الحال لفضيلة الشيخ عبدالله بن جبرين رحمه الله فقد وصلت الدروس العلمية لفضيلته في بعض الأشهر إلى 30 درساً ومحاضرة في الأسبوع منذ صلاة الفجر وحتى بعد صلاة العشاء وهذه الدروس والمحاضرات كان يلقيها الشيخ بعد تجاوزه سن السبعين عاماً .
alomari1420@yahoo.com