وصفه النقاد والمثقفون السعوديون بالأديب، والإصلاحي، والرائد الصحافي، والمناضل، وسادن الأساطير، وجامع الأمثال، والمجدد، ورجل التنوير؛ وكان عبدالكريم الجهيمان كل ذلك بلا شك، وفي كل مجال مما سبق له إسهام، وفي مواضع الريادة كان له موضع قدم، وتجربة حياة، وحصاد قلم. تحدث الكتاب كثيراً عن إسهاماته المتعددة، وإنجازاته الكبيرة والكثيرة، وهي أجلُّ
من اختصارها بمقال، حتى لو يرمي إلى الإشارة الخاطفة، والتنويه السريع.
* قام الجهيمان بجهد معرفي أخذ مسار المشاريع العلمية الكبرى، وأوقف عليه جهده وحوالي ربع قرن من حياته؛ حيث جمع الأساطير والأمثال والحكم الشعبية في المنطقة الوسطى من بلادنا في خمسة عشر مجلداً، وكان صبوراً جلداً على ما يقتضيه ذلك المشروع من مثابرة، وبحث ومكابدة وسعة بال.
* كان مؤمناً بجدوى صنيعه العلمي الأمثل. وكان على يقين بأهمية ذلك العمل للثقافة وللوطن وللأجيال، وكأنه كان يستشرف مستقبل الاهتمام بمثل هذا النوع من الثقافة وذلك الجزء من الموروث، بصيراً بأنه قد يأتي يوم قد يضع فيه هذا الرصيد وينمحي من الذاكرة الشعبية، فوعاه وأحصاه ووفَّاه ما يقتضيه من جهد واهتمام، ووصل به حد الجاهزية والاكتمال ووضعه أمام المتلقين والباحثين رصيداً يضاف إلى منجز ثقافتنا الوطنية.
* أما المسار الآخر من مسارات جهود هذا الرائد، فيتمثل في دعواته الرائدة للتنوير والنهوض الثقافي والاجتماعي؛ إذ دعا إلى تعليم المرأة، وإنشاء الجمعيات الوطنية التي تهتم بشؤون الناس على اختلاف أنواعها، ودعا إلى الإصلاح ومحاربة الفساد، ودعا إلى حرية الرأي والمكاشفة ونقد الذات. ولاقت بعض دعواته وأفكاره ممانعة من البعض وصلت إلى حد المجابهة والنيل من شخصه وفكره، ولم يزده ذلك إلا إيماناً بأفكاره الإصلاحية ورؤاه التنويرية، فازداد إصراراً عليها ومنافحة عنها، وتكريساً لها في سلوكه ونشاطه الصحافي والكتابي ومن خلال مؤلفاته العديدة.
* أحسَّ بالغربة أحياناً فآثر العزلة.. - مع إيمانه بضرورة المشاركة مع الآخرين، والالتحام بهم فيما ينفع ويفيد ويضيف للمعرفة وللناس وللوطن - حتى قيَّض له الأديب والكاتب الأستاذ محمد عبدالرزاق القشعمي فكان قنطرة وصلت الجهيمان بالناس؛ الباحثين والمحبين والمتلقين.
وقام القشعمي بواجب الصداقة بكل نبل وإخلاص، وأدَّى حق الشيخ على التلميذ؛ فنظَّم ورعى زيارات الناس إليه وصلاتهم به، وبدَّد عزلته وأعاد إليه ألفة اللقاءات وقيمتها؛ فاستعاد الشيخ ألق حضوره الذي لم يتبدد أو يفنى في يوم من الأيام.. ونعِمَ المخلصون من صحفيين وأدباء ومثقفين بمعية الشيخ ونيِّر أفكاره وقيمة تجربته..والآن.. وقد رحل الجهيمان، جدير كذلك وأهلٌ هو.. لأن يخلَّد ذكره ويبقى اسمه بما يراه المخلصون من محبيه وتلاميذه محققاً لذلك الخلود، وبما تراه مؤسسات علمية وأدبية كفيلاً بأن يحقق الإفادة من إسهاماته العلمية وجهوده التنويرية التي نذر حياته لأجلها، لأجيال حاضرة وأخرى ستأتي.
رحم الله الأستاذ عبدالكريم الجهيمان وأسكنه فسيح جناته.
md1413@hotmail.comالمدينة المنورة