حكاية فاطمة الشهري التي تدور هذه الأيام في أروقة الإعلام المحلي ومواقع الإنترنت، هي واحدة من عشرات القصص المؤلمة التي تتكرر كثيراً في مجتمعاتنا العربية وحتى الأجنبية, لأسباب ترسخت من أزمان العصور الحجرية لم تتغيّر مع إكرام الإسلام للمرأة، والفهم الخاطئ أيضاً لدور الرجل داخل منزله والجذور المترسبة داخل فكره عن المرأة، هذا الوصف لا أعني به كل الرجال إنما نوعية معيّنة تعتبر المرأة نوعاً من الإهانة وضمن الممتلكات الخاصة فتُباع وتُشترى، لأنها كائن «حقير» من وجهة نظره!
فاطمة الشهري تعرضت للعنف «المركب» بداية من تزويجها لرجل في سن والدها، مروراً بالعنف النفسي الذي لا يقل خطورة عن العنف الجسدي، والذي حتى الآن لم يلتفت له المجتمع ولا المختصون باعتباره أمراً غير ملموس، فيما يبقى العنف الجسدي هو الأكثر اهتماماً لأنه يظهر على مرأى الجميع، وقد يحمل إصابات بدنية خطيرة. وفي اعتقادي أن معالجة العنف تبدأ من العنف النفسي لأنه هو المؤدي إلى ما وصلت إليه فاطمة الشهري ومثيلاتها. أضف إلى ذلك أن العقوبة الرادعة ليست للزوج المجرم وحده، بل يجب أن تلحق بمنبت العنف وهو المتورّط في تزويجها بهذه الطريقة، وما بُني على باطل بلا شك ستكون نتائجه باطلة وهذا ما وصلت إليه الضحية، ولعلها لو استمرت في الصمت لماتت ودُفنت كأي جثة رخيصة وكأن شيئاً لم يكن.
من خلال متابعتي لما يدور من نقاش عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاحظت أن ثلة من المتسلِّقين على جراح الناس تحاول أن تدخل في قضية فاطمة الشهري، وهنا أوجه ندائي لها بأن لا تلتفت لمثل هؤلاء الباحثين عن الشهرة، لأن قضية فاطمة الشهري هي «حق» يريد به هؤلاء باطلاً. وهنا أيضاً أدعو معالي وزير العدل الدكتور محمد العيسى ولجنة المحامين بوزارة العدل وكافة المؤسسات ذات العلاقة بالتنبه لهذه المكيدة، لأن فاطمة غريقة الآن وقد تبحث عن أي طوق نجاة، ولا أريدها أن تكون كمن سبقنها عبارة عن جسر للإعلام الغربي والمنظمات الحقوقية الغربية التي تكتب تقاريرها المغرضة عن المملكة والمأخوذة عن مصادر حاقدة، مع العلم بأن أي قضية اجتماعية لا تحتمل إلا الإصلاح من الداخل لا الركض للفضاء الخارجي, والتباهي بالأخبار السيئة!
ولا بد هنا أن يُقدّم لفاطمة الشهري ومثيلاتها من ضحايا العنف الاعتذار, لأننا وصلنا لعام 2012 وحتى الآن لم نوجد نظاماً يمنع زواج الصغيرات وبيعهن للمسنين من قِبل آباء وأهالي لا يخافون الله ويعتبرونها مجرد سلعة. ولأننا لغاية الآن لا يوجد لدينا محاكم أسرية مع أن تصريح وزير العدل صدر منذ 3 سنوات! وكذلك لعدم وجود جمعيات نسائية متخصصة بالدفاع عن المرأة، لتكون جهة رسمية لاحتواء هذه القضايا، لذا فإنكِ ومثيلاتك ستلجأن للوقوع في أيدي الراقصات والراقصين على الجراح، وستظهرن كمادة إعلامية دسمة بعناوين عريضة في أهم الصحف والقنوات الغربية.
يجب على المؤسسات المدنية والحقوقية الاعتذار لفاطمة الشهري ومثيلاتها، عن دعاة وخطباء لا تهزهم هذه القضية ولا يأبهون بتوعية الرجال وتنبيههم بالأصول الأساسية في حسن التعامل مع النساء، لأنهم يا عزيزاتي مشغولون في منابرهم بقيادة المرأة للسيارة وحربهم مع الأطياف الفكرية الأخرى التي تشاغلت بدورها في الرد على السابقين وتركت المسحوقين. وعلى بعض فئات المجتمع الاعتذار كونها ترى الجاني بطلاً لأنه «رجل» وترى المجني عليها مذنبة لأنها «امرأة» من واجبها أن تصبر إلى أن تستشهد في سبيل إرضاء المجتمع.
www.salmogren.net