ليس أجمل أن يكون مستقبلنا وحاضرنا امتدادا لماضينا الزاخر بالإنجازات والشواهد على حضارة تتمثل لنا في كل ركن من هذه الأرض التي تزخر بفنون أبنائها وما تركه بنوها من الأجداد الذين تشهد لهم جبالها التي نحتوا منها بيوتا وقراها ومبانيها التراثية وما يصعب حصره في هذا المقال.
الأجمل أن تنشط عدة جهات للحفاظ على التراث وتتعاون جميعها لأنها تؤمن برسالة التراث كهوية مجتمعية وكنوع من الاعتزاز بالوطنية.
سأحدثك أيها القارئ العزيز عن ليلة لن أنساها ما حييت، المكان: مركز الملك فهد الثقافي، المناسبة: أمسية تراثية نظمتها الهيئة الاستشارية للمتحف الوطني بحضور ورعاية رئيستها صاحبة السمو عادلة بنت عبدالله، ووزارة الثقافة والإعلام وقد ضمت عدة لوحات فلكلورية لمناطق مختلفة من المملكة وقد تفاعل الحاضرون من الشباب مع تراثهم الشعبي بمشاركة فرقة التلفاز بتأدية بعض الرقصات الشعبية مما يدل على أن هذا التراث حاضر في وجدانهم تحفظه ذاكرتهم وتمثله أجسادهم التي سرعان ما لبت أنغام الخبيتي والمزمار والسامري وغيرها.
الأمم تعتز بتراثها الشعبي وتصمم على توريثه لأبنائها لأنهم ورثة الماضي وبناة المستقبل المشرق بعقولهم.
ولعل جهود صاحبة السمو عادلة في تنمية الثقافة المتحفية في الجيل الحاضر من خلال أنشطة كثيرة ومتعددة يقوم بها المتحف الوطني لرسالة ستؤتي حصادها قريبا، ولكي يترسخ هذا المفهوم لدى الأبناء فإن وزارة التربية والتعليم وثقته من خلال مناهج تطبيقية من خلال ثماني قاعات صممتها في المتحف، وتكاتفت الجهود ليتم التفاعل مع هذه القطع الأثرية التي يضمها المتحف حيث كل منها له حكاية ربما يتحرك وجدان الزائرين من الأطفال الذين ستنمو في دواخلهم هذه الحكايا.
«الجمعية السعودية للمحافظة على التراث» من الجمعيات التي تنشط للغرض نفسه وهي بفضل الله ثم بجهود رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار سلطان بن سلمان أصبحت واقعاً وتتولى صاحبة السمو عادلة بنت عبدالله رئاسة مجلس إدارة الجمعية التي تتمثل رؤيتها في كونها محركاً فاعلاً ومؤثراً في مجال حفظ التراث السعودي والوعي بأهميته وقيمته الوطنية والاستفادة منه، كما أن رسالة الجمعية تتمثل في متابعة الجهود المبذولة في مجال التراث السعودي وتحفيز ودعم المجتمع والمؤسسات المعنية لتحقيق ذلك.
إنه ليدهشني حين أزور إحدى الدول الغربية أو ألتقي بأناسها كيف هي جهودهم واستماتتهم على الحفاظ على آثارهم بالرغم من شحها أحيانا، وأرى أن جهودهم تزيده ثراء وأهمية وقيمة وحضورا.
في زياراتهم لبلادنا يكون جُل اهتمامهم المناطق الأثرية لدينا وشراء التحف والمقتنيات التي تحاكي الماضي ويحرصون على اقتنائها بأثمان باهظة ونحن لدينا الكثير منها والكثير منا لا يعي قيمتها المعنوية والمادية والتاريخية.
هناك محاولة للعودة إلى أحضان الماضي من خلال استخدام البعض ديكورات لمنازلهم من وحيه، كذلك لاقتناء الملابس التراثية التي تمثل مناطق المملكة، وجعل المناطق الأثرية والتراثية قبلتنا السياحية، والمتاحف في المملكة بما تزخر به من عبق الماضي لعلها وجهة جيدة توثق ارتباط أهل المكان بماضيه.
القارئ العزيز هذه دعوة لسياحة ثقافية تستلهم من خلالها ماضيك من وحي الأماكن التي تصر أن تحتفظ به، ولعلك ثري بهذه الكنوز التي تأسر الآخرين من الباحثين والمؤرخين والمهتمين بذاكرة المكان فأنت الأولى أن تدرك قيمتها وتتولى العناية بها وزيارتها.
ربما هي دعوة أيضاً للمستثمرين والمشتغلين في مجال السياحة المحلية أن يشجعوا أبناء المملكة على سياحة في ربوع الوطن، بأسعار معقولة لا مبالغة فيها وخدمات راقية كي لا (نسترخص) السفر للخارج.
mysoonabubaker@yahoo.com